أو قول كقوله تعالى : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [الدخان : ٥٨].
واليسر : السهولة ، وعدم الكلفة في تحصيل المطلوب من شيء. وإذ كان القرآن كلاما فمعنى تيسيره يرجع إلى تيسير ما يراد من الكلام وهو فهم السامع المعاني التي عناها المتكلم به بدون كلفة على السامع ولا إغلاق كما يقولون : يدخل للأذن بلا إذن. وهذا اليسر يحصل من جانب الألفاظ وجانب المعاني ؛ فأما من جانب الألفاظ فلذلك بكونها في أعلى درجات فصاحة الكلمات وفصاحة التراكيب ، أي فصاحة الكلام ، وانتظام مجموعها ، بحيث يخف حفظها على الألسنة.
وأما من جانب المعاني ، فبوضوح انتزاعها من التراكيب ووفرة ما تحتوي عليه التراكيب منها من مغازي الغرض المسوقة هي له. وبتولد معان من معان أخر كلّما كرّر المتدبر تدبّره في فهمها.
ووسائل ذلك لا يحيط بها الوصف وقد تقدم بسطها في المقدمة العاشرة من مقدمات هذا التفسير ومن أهمها إيجاز اللفظ ليسرع تعلقه بالحفظ ، وإجمال المدلولات لتذهب نفوس السامعين في انتزاع المعاني منها كل مذهب يسمح به اللفظ والغرض والمقام ، ومنها الإطناب بالبيان إذا كان في المعاني بعض الدقة والخفاء.
ويتأتّى ذلك بتأليف نظم القرآن بلغة هي أفصح لغات البشر وأسمح ألفاظا وتراكيب بوفرة المعاني ، وبكون تراكيبه أقصى ما تسمح به تلك اللغة ، فهو خيار من خيار من خيار. قال تعالى : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء : ١٩٥].
ثم يكون المتلقين له أمة هي أذكى الأمم عقولا وأسرعها أفهاما وأشدها وعيا لما تسمعه ، وأطولها تذكرا له دون نسيان ، وهي على تفاوتهم في هذه الخلال تفاوتا اقتضته سنة الكون لا يناكد حالهم في هذا التفاوت ما أراده الله من تيسيره للذكر ، لأن الذكر جنس من الأجناس المقول عليها بالتشكيك إلا أنه إذا اجتمع أصحاب الأفهام على مدارسته وتدبره بدت لجموعهم معان لا يحصيها الواحد منهم وحده.
وقد فرض الله على علماء القرآن تبيينه تصريحا كقوله : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤] ، وتعريضا كقوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ) [آل عمران : ١٨٧] فإن هذه الأمة أجدر بهذا الميثاق.
وفي الحديث : «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه