(٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣))
انتقال من وصف جزاء المجرمين إلى ثواب المتقين. والجملة عطف على جملة (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) [الرحمن : ٤١] إلى آخرها ، وهو أظهر لأن قوله في آخرها (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) يفيد معنى أنهم فيها.
واللام في (لِمَنْ خافَ) لام الملك ، أي يعطي من خاف ربه ويملك جنتين ، ولا شبهة في أن من خاف مقام ربه جنس الخائفين لا خائف معيّن فهو من صيغ العموم البدلي بمنزلة قولك : وللخائف مقام ربه. وعليه فيجيء النظر في تأويل تثنية (جَنَّتانِ) فيجوز أن يكون المراد : جنسين من الجنات.
وقد ذكرت الجنات في القرآن بصيغة الجمع غير مرة وسيجيء بعد هذا قوله : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) [الرحمن : ٦٢] فالمراد جنسان من الجنات.
ويجوز أن تكون التثنية مستعملة كناية عن التعدد ، وهو استعمال موجود في الكلام الفصيح وفي القرآن قال الله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) [الملك : ٤] ومنه قولهم : لبّيك وسعديك ودواليك ، كقول القوّال (١) الطائي من شعر الحماسة :
فقولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا |
|
هلمّ فإن المشرفيّ الفرائض |
أي فقولوا : يا قوم ، وتقدم عند قوله تعالى : (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) في سورة التوبة [١٠١]. وإيثار صيغة التثنية هنا لمراعاة الفواصل السابقة واللاحقة فقد بنيت قرائن السورة عليها والقرينة ظاهرة وإليه يميل كلام الفراء ، وعلى هذا فجميع ما أجري بصيغة التثنية في شأن الجنتين فمراد به الجمع.
وقيل : أريد جنتان لكل متّق تحفان بقصره في الجنة كما قال تعالى في صفة جنات الدنيا (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ) [الكهف : ٣٢] الآية ، وقال : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي) مساكنهم (آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) [سبأ : ١٥] فهما جنتان باعتبار يمنة القصر ويسرته
__________________
(١) هكذا وقع اسمه في «ديوان الحماسة» و «شروحه» وهو بفتح القاف وتشديد الواو كما في «خزانة الأدب». وهو من مخضرمي الدولتين.