والفاء في (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) فصيحة لإفصاحها عن جملة مقدرة يقتضيها ربط المعنى ، أي فلم يأكلوا فأوجس منهم خيفة ، كقوله : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) [الشعراء : ٦٣] ، وقد صرح بذلك في سورة هود (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ) (أي إلى العجل) (نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) [هود : ٧٠].
و (فَأَوْجَسَ) أحس في نفسه ولم يظهر ، وتقدم نظيره في سورة هود. وقولهم له (لا تَخَفْ) لأنهم علموا ما في نفسه مما ظهر على ملامحه من الخوف ، وتقدم نظيره في سورة هود.
والغلام الذي بشروه به هو إسحاق لأنه هو ابن سارة ، وهو الذي وقعت البشارة به في هذه القصة في التوراة ، ووصف هنا ب (عَلِيمٍ) ، وأما الذي ذكرت البشارة به في سورة الصافات [١٠١] فهو إسماعيل ووصف ب (حَلِيمٍ) ولذلك فامرأة إبراهيم الحادث عنها هنا هي سارة ، وهي التي ولدت بعد أن أيست ، أما هاجر فقد كانت فتاة ولدت في مقتبل عمرها. وأقبلت امرأته حين سمعت البشارة لها بغلام ، أي أقبلت على مجلس إبراهيم مع ضيفه ، قال تعالى في سورة هود [٧١] (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ).
وكان النساء يحضرن مجالس الرجال في بيوتهن مع أزواجهن ويؤاكلنهم. وفي «الموطأ» : قال مالك : لا بأس أن تحضر المرأة مع زوجها وضيفه وتأكل معهم.
والصّرة : الصياح ، ومنه اشتق الصرير. و (فِي) للظرفية المجازية وهي الملابسة.
والصك : اللطم ، وصكّ الوجه عند التعجب عادة النساء أيامئذ ، ونظيره وضع اليد على الفم في قوله تعالى : (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) [إبراهيم : ٩].
وقولها (عَجُوزٌ عَقِيمٌ) خبر محذوف ، أي أنا عجوز عقيم.
والعجوز : فعول بمعنى فاعل وهو يستوي في المذكر والمؤنث مشتق من العجز ويطلق على كبر السنّ لملازمة العجز له غالبا.
والعقيم : فعيل بمعنى مفعول ، وهو يستوي فيه المذكر والمؤنث إذا جرى على موصوف مؤنث ، مشتق من عقمها الله ، إذا خلقها لا تحمل بجنين ، وكانت سارة لم تحمل قط.
وقول الملائكة (كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ) الإشارة إلى الحادث وهو التبشير بغلام. والكاف