الشجرة. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : إن الروغان ميل في المشي عن الاستواء إلى الجانب مع إخفاء إرادته ذلك وتبعه على هذا التقييد الراغب والزمخشري وابن عطيّة فانتزع منه الزمخشري أن إخفاء إبراهيم ميله إلى أهله من حسن الضيافة كيلا يوهم الضيف أنه يريد أن يحضر لهم شيئا فلعلّ الضيف أن يكفّه عن ذلك ويعذره وهذا منزع لطيف.
وكان منزل إبراهيم الذي جرت عنده هذه القصة بموضع يسمّى (بلوطات ممرا) من أرض جبرون.
ووصف العجل هنا ب (سَمِينٍ) ، ووصف في سورة هود بحنيذ ، أي مشوي فهو عجل سمين شواه وقرّبه إليهم ، وكان الشواء أسرع طبخ أهل البادية وقام امرؤ القيس يذكر الصيد :
فظل طهاة اللحم ما بين منضج |
|
صفيف شواء أو قدير معجّل |
فقيد (قدير) ب (معجّل) ولم يقيد (صفيف شواء) لأنه معلوم.
ومعنى (فَقَرَّبَهُ) وضعه قريبا منهم ، أي لم ينقلهم من مجلسهم إلى موضع آخر بل جعل الطعام بين أيديهم. وهذا من تمام الإكرام للضيف بخلاف ما يطعمه العافي والسائل فإنه يدعى إلى مكان الطعام كما قال الفرزدق :
فقلت إلى الطعام فقال منهم |
|
فريق يحسد الأنس الطعاما |
ومجيء الفاء لعطف أفعال (فَراغَ فَجاءَ فَقَرَّبَهُ) للدلالة على أن هذه الأفعال وقعت في سرعة ، والإسراع بالقرى من تمام الكرم ، وقد قيل : خير البر عاجله.
وجملة (قالَ أَلا تَأْكُلُونَ) بدل اشتمال من جملة (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ).
و (أَلا) كلمة واحدة ، وهي حرف عرض ، أي رغبة في حصول الفعل الذي تدخل عليه. وهي هنا متعينة للعرض لوقوع فعل القول بدلا من فعل (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ) ، ولا يحسن جعلها كلمتين من همزة استفهام للإنكار مع (لا) النافية.
والعرض على الضيف عقب وضع الطعام بين يديه زيادة في الإكرام بإظهار الحرص على ما ينفع الضيف وإن كان وضع الطعام بين يديه كافيا في تمكينه منه. وقد اعتبر ذلك إذنا عند الفقهاء في الدعوة إلى الولائم بخلاف مجرد وجود مائدة طعام أو سفرة ، إذ يجوز أن تكون قد أعدت لغير المدعوّ.