كثيرة كما اقتضاه جمع أكواب وأباريق ، فإذا كانت آنية حمل الخمر كثيرة كانت كئوس الشاربين أكثر ، وإنما أوثرت صيغة المفرد لأن في لفظ كئوس ثقلا بوجود همزة مضمومة في وسطه مع ثقل صيغة الجمع.
والمعين : الجاري ، والمراد به الخمر التي لكثرتها تجري في المجاري كما يجري الماء وليست قليلة عزيزة كما هي في الدنيا ، قال تعالى : (وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) [محمد : ١٥].
وليس المراد بالمعين الماء لأن الكأس ليست من آنية الماء وإنما آنيتهما الأقداح ، وقد تقدم في سورة الصافات [٤٥ ، ٤٧] (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) وتلك صفات الخمر.
والتصديع : الإصابة بالصداع ، وهو وجع الرأس من الخمار الناشئ عن السكر ، أي لا تصيبهم الخمر بصداع.
ومعنى (عنها) مجاوزين لها ، أي لا يقع لهم صداع ناشئ عنها ، أي فهي منزهة عن ذلك بخلاف خمور الدنيا فاستعملت (عن) في معنى السببية.
وعطف (وَلا يُنْزِفُونَ) على (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) فيقدر له متعلق دل عليه متعلق (لا يُصَدَّعُونَ) فقد قال في سورة الصافات [٤٧] ، (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) أي لا يعتريهم نزف بسببها كما يحصل للشاربين في الدنيا.
والنزف : اختلاط العقل ، وفعله مبني للمجهول يقال : نزف عقله مثل : عني فهو منزوف.
وقرأ الجمهور (يُنْزِفُونَ) بفتح الزاي من أنزف الذي همزته للتعدية. وقرأه حمزة والكسائي وخلف بكسر الزاي من أنزف المهموز القاصر إذا سكر وذهب عقله.
والفاكهة : الثمار والنقول كاللوز والفستق ، وتقدم في سورة الرحمن. وعطف (فاكِهَةٍ) على (بِأَكْوابٍ) ، أي ويطوفون عليهم بفاكهة وذلك أدخل في الدعة وألذّ من التناول بأيديهم ، على أنهم إن اشتهوا اقتطافها بالأيدي دنت لهم الأغصان فإن المرء قد يشتهي تناول الثمرة من أغصانها.
و (مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) : الجنس الذي يختارونه ويشتهونه ، أي يطوفون عليهم بفاكهة من الأنواع التي يختارونها ، ففعل (يَتَخَيَّرُونَ) يفيد قوة الاختيار.