المجاز في إسناد الوصف بالكون في كتاب مكنون إلى قرآن كريم على طريقة المجاز العقلي باعتبار أن حقيقة هذا المجاز وصف مماثل القرآن ومطابقه لأن المماثل ملابس لمماثله.
واستعير الكتاب للأمر الثابت المحقق الذي لا يقبل التغيير ، فالتأم من استعارة الظرفية لمعنى المطابقة ، ومن استعارة الكتاب للثابت المحقق معنى موافقة معاني هذا القرآن لما عند الله من متعلّق علمه ومتعلّق إرادته وقدرته وموافقة ألفاظه لما أمر الله بخلقه من الكلام الدال على تلك المعاني على أبلغ وجه ، وقريب من هذه الاستعارة قول بشر بن أبي حازم أو الطرمّاح :
وجدنا في كتاب بني تميم |
|
أحق الخيل بالركض المعار |
وليس لبني تميم كتاب ولكنه أطلق الكتاب على ما تقرر من عوائدهم ومعرفتهم.
وجملة (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) صفة ثانية ل (كِتابٍ).
و (الْمُطَهَّرُونَ) : الملائكة ، والمراد الطهارة النفسانية وهي الزكاء. وهذا قول جمهور المفسرين وفي «الموطأ» قال مالك : أحسن ما سمعت في هذه الآية (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) أنها بمنزلة هذه الآية التي في عبس وتولى [١١ ـ ١٦] قول الله تبارك وتعالى: (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ) اه. يريد أن (الْمُطَهَّرُونَ) هم السفرة الكرام البررة وليسوا الناس الذين يتطهرون.
ومعنى المسّ : الأخذ وفي الحديث : «مس من طيبة» ، أي أخذ. ويطلق المسّ على المخالطة والمطالعة قال يزيد بن الحكم الكلابي :
مسسنا من الآباء شيئا فكلّنا |
|
إلى حسب في قومه غير واضع |
قال المرزوقي في شرح هذا البيت من «الحماسة» : «مسسنا» يجوز أن يكون بمعنى أصبنا واختبرنا لأن المس باليد يقصد به الاختبار. ويجوز أن يكون بمعنى طلبنا اه.
فالمعنى : أن الكتاب لا يباشر نقل ما يحتوي عليه لتبليغه إلا الملائكة.
والمقصود من هذا أن القرآن ليس كما يزعم المشركون قول كاهن فإنهم يزعمون أن الكاهن يتلقى من الجن والشياطين ما يسترقونه من أخبار السماء بزعمهم ، ولا هو قول شاعر إذ كانوا يزعمون أن لكل شاعر شيطانا يملي عليه الشعر ، ولا هو أساطير الأولين ،