عدم قدرتهم على صد الأرواح عن الخروج ، أن يكون خروجها لإجراء الحساب. ودفع هذا الإشكال وجوب تأويل (تَرْجِعُونَها) بمعنى تحاولون إرجاعها ، أي عدم محاولتكم إرجاعها منذ العصور الأولى دليل على تسليمكم بعدم إمكان إرجاعها ، وما ذلك إلا لوجوب خروجها من حياة الأعمال إلى حياة الجزاء. وأصل تركيب هذه الجملة : فإذا كنتم صادقين في أنكم غير مدينين فلولا حاولتم عند كل محتضر إذا بلغت الروح الحلقوم أن ترجعوها إلى مواقعها من أجزاء جسده فما صرفكم عن محاولة ذلك إلا العلم الضروري بأن الروح ذاهبة لا محالة. فإذا علمت هذا اتضح لك انتظام الآية التي نظمت نظما بديعا من الإيجاز ، وأدمج في دليلها ما هو تكملة للإعجاز.
و (لو لا) حرف تحضيض مستعمل هنا في التعجيز لأن المحضوض إذا لم يفعل ما حضّ على فعله فقد أظهر عجزه والفعل المحضوض عليه هو (تَرْجِعُونَها) ، أي تحاولون رجوعها.
و (إِذا بَلَغَتِ) ظرف متعلق ب (تَرْجِعُونَها) مقدم عليه لتهويله والتشويق إلى الفعل المحضوض عليه.
والضمير المستتر في (بَلَغَتِ) عائد على مفهوم من العبارات لظهور أن التي تبلغ الحلقوم هي الروح حذف إيجازا نحو قوله تعالى : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [ص : ٣٢] أي الشمس. و (ال) في (الْحُلْقُومَ) للعهد الجنسي.
وجملة (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) حال من ضمير (بَلَغَتِ) ومفعول (تَنْظُرُونَ) محذوف تقديره : تنظرون صاحبها ، أي صاحب الروح بقرينة قوله بعده (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) ، وفائدة هذه الحال تحقيق أن الله صرفهم عن محاولة إرجاعها مع شدة أسفهم لموت الأعزّة.
وجملة (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) في موضع الحال من مفعول (تَنْظُرُونَ) المحذوف ، أو معترضة والواو اعتراضية.
وأيّا ما كانت فهي احتراس لبيان أن ثمة حضورا أقرب من حضورهم عند المحتضر وهو حضور التصريف لأحواله الباطنة.
وقرب الله : قرب علم وقدرة على حد قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : ٢٢] أو قرب ملائكته المرسلين لتنفيذ أمره في الحياة والموت على حد قوله : (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ)