مسعود مقتضيا أن مثله من أولئك الذين ذكرهم الله بهذه الآية ولكنه يخشى أن يكون منهم حذرا وحيطة.
فالمراد بالذين آمنوا المؤمنون حقا لا من يظهرون الإيمان من المنافقين إذ لم يكن في المسلمين بمكة منافقون ولا كان داع إلى نفاق بعضهم. وعن ابن مسعود «لما نزلت جعل بعضنا ينظر إلى بعض ونقول : ما أحدثنا».
وإما أن يكون تحريضا للمؤمنين على مراقبة ذلك والحذر من التقصير.
والهمزة في (أَلَمْ يَأْنِ) للاستفهام وهو استفهام مستعمل في الإنكار ، أي إنكار نفي اقتراب وقت فاعل الفعل.
ويجوز أن يكون الاستفهام للتقرير على النفي ، وفعل (يَأْنِ) مشتق من اسم جامد وهو الإنى بفتح الهمزة وكسرها ، أي الوقت قال تعالى : (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) [الأحزاب : ٥٣]. وقريب من قوله : (أَلَمْ يَأْنِ) قولهم : أما آن لك أن تفعل ، مثل ما ورد في حديث إسلام عمر بن الخطاب من قول النبي صلىاللهعليهوسلم له «أما آن لك يا ابن الخطاب أن تسلم»وفي خبر إسلام أبي ذر من أن علي بن أبي طالب وجده في المسجد الحرام وأراد أن يضيفه وقال له : «أما آن للرجل أن يعرف منزله» يريد : أن يعرف منزلي الذي هو كمنزله. وهذا تلطف في عرض الاستضافة ، إلا أن فعل (يَأْنِ) مشتق من الإنى وهو فعل منقوص آخره ألف. وفعل : آن مشتق من الأين وهو الحين وهو فعل أجوف آخره نون.
فأصل : أنى أني وأصل آن : آون وآل معنى الكلمتين واحد.
واللام للعلة ، أي ألم يأن لأجل الذين آمنوا الخشوع ، أي ألم يحقّ حضوره لأجلهم.
و (أَنْ تَخْشَعَ) فاعل (يَأْنِ) ، والخشوع : الاستكانة والتذلل.
و (لِذِكْرِ اللهِ) ما يذكرهم به النبي صلىاللهعليهوسلم أو هو الصلاة. و (ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ) القرآن ، قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال : ٢].
ويجوز أن يكون الوصفان للقرآن تشريفا له بأنه ذكر الله وتعريفا لنفعه بأنه نزل من عند الله ، وأنه الحق ، فيكون قوله : (وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ) عطف وصف آخر للقرآن مثل قول الشاعر أنشده في «الكشاف» :