ما سيرها عليه نظام جميع الكائنات في هذا العالم كما أشار إليه قوله تعالى : (إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) [الحديد : ٢٢] كما ستعلمه ، فلم يملكهم الغم والحزن ، وانتقلوا عن ذلك إلى الإقبال على ما يهمهم من الأمور ولم يلهمهم التحرق على ما فات على نحو ما وقع في قوله : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ* وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) [البقرة : ١٥٤ ـ ١٥٦] ، ولعل المسلمين قد أصابتهم شدة في إحدى المغازي أو حبس مطر أو نحو ذلكم مما كان سبب نزول هذه الآية.
و (ما) نافية و (من) زائدة في النفي للدلالة على نفي الجنس قصدا للعموم.
ومفعول (أَصابَ) محذوف تقديره : ما أصابكم أو ما أصاب أحدا.
وقوله : (فِي الْأَرْضِ) إشارة إلى المصائب العامة كالقحط وفيضان السيول وموتان الأنعام وتلف الأموال.
وقوله : (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) إشارة إلى المصائب اللاحقة لذوات الناس من الأمراض وقطع الأعضاء والأسر في الحرب وموت الأحباب وموت المرء نفسه فقد سماه الله مصيبة في قوله : (فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) [المائدة : ١٠٦]. وتكرير حرف النفي في المعطوف على المنفي في قوله : (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) لقصد الاهتمام بذلك المذكور بخصوصه فإن المصائب الخاصة بالنفس أشد وقعا على المصاب ، فإن المصائب العامة إذا اخطأته فإنما يتأثر لها تأثرا بالتعقل لا بالحسّ فلا تدوم ملاحظة النفس إياه.
والاستثناء في قوله : (إِلَّا فِي كِتابٍ) استثناء من أحوال منفية ب (ما) ، إذ التقدير : ما أصاب من مصيبة في الأرض كائنة في حال إلا في حال كونها مكتوبة في كتاب ، أي مثبتة فيه.
والكتاب : مجاز عن علم الله تعالى ووجه المشابهة عدم قبوله التبديل والتغيير والتخلف ، قال الحارث بن حلزة :
حذر الجور والتطاخي وهل |
|
ينقض ما في المهارق الأهواء |
ومن ذلك علمه وتقديره لأسباب حصولها ووقت خلقها وترتب آثارها والقصر المفاد ب (إلّا) قصر موصوف على صفة وهو قصر إضافي ، أي إلا في حال كونها في كتاب دون عدم سبق تقديرها في علم الله ردّا على اعتقاد المشركين والمنافقين المذكور في قوله