تعالى : (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) [آل عمران : ١٥٦] وقوله : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا) [آل عمران : ١٦٨]. وهذا الكلام يجمع الإشارة إلى ما قدمناه من أن الله تعالى وضع نظام هذا العالم على أن تترتب المسببات على أسبابها ، وقدر ذلك وعلمه ، وهذا مثل قوله : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) [فاطر : ١١] ونحو ذلك.
والبرء : بفتح الباء : الخلق ومن أسمائه تعالى البارئ ، وضمير النصب في (نَبْرَأَها) عائد إلى الأرض أو إلى الأنفس.
وجملة (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) ردّ على أهل الضلال من المشركين وبعض أهل الكتاب الذين لا يثبتون لله عموم العلم ويجوّزون عليه البداء وتمشّي الحيل ، ولأجل قصد الرد على المنكرين أكد الخبر ب (إنّ).
والتعليل بلام العلة و (كي) متعلق بمقدر دل عليه هذا الإخبار الحكيم ، أي أعلمناكم بذلك لكي لا تأسوا على ما فاتكم إلخ ، أي لفائدة استكمال مدركاتكم وعقولكم فلا تجزعوا للمصائب لأن من أيقن أن ما عنده من نعمة دنيوية مفقود يوما لا محالة لم يتفاقم جزعه عند فقده لأنه قد وطّن نفسه على ذلك ، وقد أخذ هذا المعنى كثيّر في قوله :
فقلت لها يا عزّ كل مصيبة |
|
إذا وطّنت يوما لها النفس ذلّت |
وقوله : (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) تتميم لقوله : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ) فإن المقصود من الكلام أن لا يئسوا عند حلول المصائب لأن المقصود هو قوله : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ) ... (إِلَّا فِي كِتابٍ) ثم يعلم أن المسرات كذلك بطريق الاكتفاء فإن من المسرات ما يحصل للمرء عن غير ترقب وهو أوقع في المسرة كمل أدبه بطريق المقابلة.
والفرح المنفي هو الشديد منه البالغ حدّ البطر ، كما قال تعالى في قصة قارون (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص : ٧٦]. وقد فسره التذييل من قوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ).
والمعنى : أخبرتكم بذلك لتكونوا حكماء بصراء فتعلموا أن لجميع ذلك أسبابا وعللا ، وأن للعالم نظاما مرتبطا بعضه ببعض ، وأن الآثار حاصلة عقب مؤثراتها لا محالة ، وإن إفضاءها إليها بعضه خارج عن طوق البشر ومتجاوز حد معالجته ومحاولته ، وفعل الفوات مشعر بأن الفائت قد سعى المفوت عليه في تحصيله ثم غلب على نواله