والقسط : العدل في جميع الأمور ، فهو أعم من الميزان المذكور لاختصاصه بالعدل بين متنازعين ، وأما القسط فهو إجراء أمور الناس على ما يقتضيه الحق فهو عدل عام بحيث يقدر صاحب الحق منازعا لمن قد احتوى على حقه.
ولفظ «القسط» مأخوذ في العربية من لفظ قسطاس اسم العدل بلغة الرّوم ، فهو من المعرّب وروي ذلك عن مجاهد.
والباء للملابسة ، أي يكون أمر الناس ملابسا للعدل ومماشيا للحق ، وإنزال الحديد: مستعار لخلق معدنه كقوله : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) [الزمر : ٦] ، أي خلق لأجلكم وذلك بإلهام البشر استعماله في السلاح من سيوف ودروع ورماح ونبال وخوذ ودرق ومجانّ. ويجوز أن يراد بالحديد خصوص السلاح المتخذ منه من سيوف وأسنة ونبال ، فيكون إنزاله مستعارا لمجرد إلهام صنعه ، فعلى الوجه الأول يكون ضمير (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) عائدا إلى الحديد باعتبار إعداده للبأس فكأن البأس مظروف فيه.
والبأس : الضر. والمراد بأس القتل والجرح بآلات الحديد من سيوف ورماح ونبال ، وبأس جرأة الناس على إيصال الضر بالغير بواسطة الواقيات المتخذة من الحديد.
والمنافع : منافع الغالب بالحديد من غنائم وأسرى وفتح بلاد.
ويتعلق قوله : (لِلنَّاسِ) بكلّ من (بَأْسٌ) و (مَنافِعُ) على طريقة التنازع ، أي فيه بأس لناس ومنافع لآخرين فإن مصائب قوم عند قوم فوائد.
والمقصود من هذا لفت بصائر السامعين إلى الاعتبار بحكمة الله تعالى من خلق الحديد وإلهام صنعه ، والتنبيه على أن ما فيه من نفع وبأس إنما أريد به أن يوضع بأسه حيث يستحق ويوضع نفعه حيث يليق به لا لتجعل منافعه لمن لا يستحقها مثل قطّاع الطريق والثوار على أهل العدل ، ولتجهيز الجيوش لحماية الأوطان من أهل العدوان ، وللادخار في البيوت لدفع الضاريات والعاديات على الحرم والأموال.
وكان الحكيم (انتيثنوس) اليوناني تلميذ سقراط إذا رأى امرأة حالية متزينة في أثينا يذهب إلى بيت زوجها ويسأله أن يريه فرسه وسلاحه فإذا رآهما كاملين أذن لامرأته أن تتزين لأن زوجها قادر على حمايتها من داعر يغتصبها ، وإلا أمرها بترك الزينة وترك الحلي.
وهذا من باب سد الذريعة ، لا ليجعل بأسه لإخضاد شوكة العدل وإرغام الآمرين