بالمعروف على السكوت ، فإن ذلك تحريف لما أراد الله من وضع الأشياء النافعة والقارة ، قال تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) [البقرة : ٢٠٥] ، وقال على لسان أحد رسله (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) [هود : ٨٨].
وقد أومأ إلى هذا المعنى بالإجمال قوله : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) ، أي ليظهر للناس أثر علم الله بمن ينصره ، فأطلق فعل (لِيَعْلَمَ) على معنى ظهور أثر العلم كقول إياس بن قبيصة الطائي :
وأقبلت والخطي يخطر بيننا |
|
لأعلم من جبانها من شجاعها |
أي ليظهر للناس الجبان والشجاع ، أي فيعلموا أني شجاعهم.
ونصر الناس الله هو نصرهم دينه ، وأما الله فغني عن النصر ، وعطف (وَرُسُلَهُ) ، أي من ينصر القائمين بدينه ، ويدخل فيه نصر شرائع الرسول صلىاللهعليهوسلم بعده ونصر ولاة أمور المسلمين القائمين بالحق. وأعظم رجل نصر دين الله بعد وفاة رسوله صلىاللهعليهوسلم هو أبو بكر الصديق في قتاله أهل الردة رضياللهعنه.
وقوله : (بِالْغَيْبِ) يتعلق ب (يَنْصُرُهُ) ، أي ينصره نصرا يدفعه إليه داعي نفسه دون خشية داع يدعوه إليه ، أو رقيب يرقب صنيعه والمعنى : أنه يجاهد في سبيل الله والدفاع عن الدين بمحض الإخلاص.
وقد تقدم ذكر الحديد ومعدنه وصناعته في تفسير قوله تعالى : (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) في سورة الكهف [٩٦].
وجملة (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) تعليل لجملة (أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ) إلى آخرها ، أي لأن الله قوي عزيز في شئونه القدسية ، فكذلك يجب أن تكون رسله أقوياء أعزة ، وأن تكون كتبه معظمة موقرة ، وإنما يحصل ذلك في هذا العالم المنوطة أحداثه بالأسباب المجعولة بأن ينصره الرسل وأقوام مخلصون لله ويعينوا على نشر دينه وشرائعه.
والقوي العزيز : من أسمائه تعالى. فالقوي : المتصف بالقوة ، قال تعالى : (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات : ٥٨] وتقدم القوي في قوله : (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) [الأنفال : ٥٢].
والعزيز : المتصف بالعزة ، وتقدمت في قوله : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) في سورة يونس وقوله : (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة : ٢٠٩].