الكعبة» إلى آخر الخبر. وثمة أخبار كثيرة متفاوتة في أن في السماء موضعا يقال له : البيت المعمور ، لكن الروايات في كونه المراد من هذه الآية ليست صريحة.
وأما السقف المرفوع : ففسروه بالسماء لقوله تعالى : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) [الأنبياء : ٣٢] وقوله : (وَالسَّماءَ رَفَعَها) [الرحمن : ٧] فالرفع حقيقي ومناسبة القسم بها أنها مصدر الوحي كله التوراة والقرآن. وتسمية السماء على طريقة التشبيه البليغ.
والبحر : يجوز أن يراد به البحر المحيط بالكرة الأرضية. وعندي : أن المراد بحر القلزم ، وهو البحر الأحمر ومناسبة القسم به أنه به أهلك فرعون وقومه حين دخله موسى وبنو إسرائيل فلحق بهم فرعون.
و (الْمَسْجُورِ) : قيل المملوء ، مشتقا من السّجر ، وهم الملء والإمداد. فهو صفة كاشفة قصد منها التذكير بحال خلق الله إياه مملوءا ماء دون أن تملأه أودية أو سيول ، أو هي للاحتراز عن إرادة الوادي إذ الوادي ينقص فلا يبقى على ملئه وذلك دال على عظم القدرة. والظاهر عندي : أن وصفه بالمسجور للإيماء إلى الحالة التي كان بها هلاك فرعون بعد أن فرق الله البحر لموسى وبني إسرائيل ثم أسجره ، أي أفاضه على فرعون وملئه.
وعذاب الله المقسم على وقوعه هو عذاب الآخرة لقوله : (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) إلى قوله : (تُكَذِّبُونَ) [الطور : ٩ ـ ١٤]. وأما عذاب المكذبين في الدنيا فسيجيء في قوله تعالى : (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ) [الطور : ٤٧]. وتحقيق وقوع عذاب الله يوم القيامة إثبات للبعث بطريق الكناية القريبة ، وتهديد للمشركين بطريق الكناية التعريضية.
والواوات التي في هذه الآية كلها واوات قسم لأن شأن القسم أن يعاد ويكرر ، ولذلك كثيرا ما يعيدون المقسم به نحو قول النابغة :
والله والله لنعم الفتى
وإنما يعطفون بالفاء إذا أرادوا صفات المقسم به.
ويجوز صرف الواو الأولى للقسم واللاتي بعدها عاطفات على القسم ، والمعطوف على القسم قسم.
والوقوع : أصله النزول من علوّ واستعمل مجازا للتحقق وشاع ذلك ، فالمعنى : أن عذاب ربك لمتحقق.