قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ
____________________________________
الكلام اخبارا من الله لما ناسبه تكذيب الله لهم ـ الثانية ـ قيل في تفسير ذلك ان يعقوب حرم على نفسه العروق ولحم الجمل فقالت اليهود ان لحم الجمل محرم في التوراة أي انها تذكر ان إسرائيل حرمه على نفسه ـ الثالثة ـ ان تحريف التوراة الحقيقية كان قبل رسول الله بقرون متطاولة منذ انقطع أثرها بارتدادات بني إسرائيل وتتابع البلايا عليهم فادعى وجودها «حلقيا» الكاهن في زمان «يوشيا» الملك وذكروا تجديد كتابتها من عزرا بعد سبي بابل. كما أشرنا الى ذلك في المقدمة الخامسة من كتاب الهدى (١) فراجعه. كما ذكرنا بعض الشهادات بتحريفها من كتابي «اشعيا» و «ارميا» وهما من كتب وحيهم (٢) فالتوراة في عهد رسول الله (ص) هي نفس التوراة الموجودة في عصورنا فإنها كانت إذ ذاك منتشرة بين الاسرائيليين والسامريين والنصارى في الشرق والغرب والحبشة وغيرهم بلغات متعددة ومنها اليونانية السبعينية والحبشية ولا يوجد بينها إلا اختلاف طفيف فالتوراة الرائجة في عصورنا هي المحرفة التي جادلهم القرآن بها وقال (فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها) إذن فمعنى الآية ان بعض اهل الكتاب قالوا كل أصول المطعومات كانت جلا لبني إسرائيل قبل أن تحرم التوراة ما حرمته منها ثم استثنوا من ذلك ما زعموا ان إسرائيل حرّمه على نفسه من قبل أن تنزل التوراة فنزلت التوراة بتحريمه. وهذا كله كذب وافتراء حتى ان توراتهم تكذبهم فيه وتذكر ان المحرمات من الحيوانات البرية والمائية والطيور إنما هي رجس فانها نهتهم عن أن يأكلوا كل رجس كما في العدد الثالث من الفصل الرابع عشر من سفر التثنية ثم نصّت في الفصل المذكور على المحرمات كما نصت عليها في الفصل الحادي عشر من سفر اللاويين. إذن فكيف يكون الرجس حلالا شرعيا قبل التوراة وايضا لم تذكر التوراة ان إسرائيل حرم على نفسه شيئا. بل إنما نذكر ان إسرائيل ضرب على حق فخذه على عرق النساء لذلك لا يأكل بنو إسرائيل عرق النساء الى هذا اليوم. فتوراتهم تقول ان ذلك تشريع منهم لا من إسرائيل كما في الفصل الثاني والثلاثين من سفر التكوين. يا رسول الله ان هؤلاء لا ينتهون عن الكذب إذن فجادلهم بتوراتهم و (قُلْ) لهم في اظهار كذبهم (فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها) في هذه الموارد (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فإن
__________________
(١) في الجزء الأول من صفحة ١٩ إلى ٣٠
(٢) في الجزء الأول من الهدى صفحة ٣٥ و ٣٦ وغير ذلك من الشواهد الكثيرة