فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١).
وقال تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (٢).
وقال تعالى : (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٣).
ولمّا لم يكن للشيطان ولاية بالخطإ والسهو والنسيان وما شابه ذلك على المخلصين فكيف يصح أن يقال أن الشيطان أجرى على لسان النبيّ تينك الكلمتين ، أليس ذاك إغواء من إبليس لأعظم مخلص في عالم الإمكان ، وقد أخذ الله المواثيق على الأنبياء والمرسلين بالإيمان به والتصديق بما سيجيء منه؟!
فإذا لم تكن للشيطان ولاية على المخلصين ، فلا أحد يشك أن سيّد ولد آدم محمّدصلىاللهعليهوآلهوسلم أنه سيّد المخلصين مطلقا.
السابع : قوله تعالى : (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) وذلك لأن إحكام الآيات بإزالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول أقوى من نسخه بهذه الآيات التي تبقى الشبهة معها ، فإذا أراد الله إحكام الآيات لئلا يلتبس القرآن بما ليس بقرآن ، فالأولى أن يمنع الشيطان ذلك من الأصل حتى لا يوقع المكلّفين في الشبهة.
بهذه الوجوه عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة ، اختلقها أعداء الرسالة لينقّصوا من شخصية رسول الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وعليه فيكون المقصود من قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ
__________________
(١) سورة إبراهيم : ٢٢.
(٢) سورة النحل : ٩٩ ـ ١٠٠.
(٣) سورة ص : ٨٢ ـ ٨٣.