ومنهم من قال بأن سكون الأرض فى الوسط ، وعدم حركتها عنه ؛ ليس بالطبع ، ولا للدفع ؛ بل بجذب الفلك له من جميع الجهات جذبا متساويا على نحو جذب المغناطيس للحديد ؛ فلا تكون جهة أولى بالحركة من جهة ولهم اختلافات أخرى وخبط كثير ، لا يليق استقصاؤه هاهنا ، أومأنا إليها ، وإلى إبطالها فى دقائق الحقائق (١).
وأما الكيفيات : فإنهم قالوا : ما كان من البسائط من الأجسام : كالعناصر ؛ فلا بد لكل عنصر من كيفيتين تكون له بمقتضى طبعه : كالحرارة ، واليبوسة للنار. والحرارة ، والرطوبة للهواء ، والبرودة والرطوبة للماء. والبرودة واليبوسة للأرض. بحيث يعود إليه بعد زوالها عنه قسرا. وأحالوا أن يكون شيء من هذه الكيفيات لبسائط الأفلاك ؛ لأن ذلك مما يلازمه ، الثقل أو الخفة. والثّقل والخفة من لوازم الحركة المستقيمة ، والحركة المستقيمة غير متصورة على الأفلاك عندهم كما يأتى شرحه وإبطاله (٢). هذا تفصيل مذاهبهم.
وأما نحن فنقول : من التفت إلى ما حققناه من وجود الفاعل المختار ، وأنه لا مؤثر سواه (٣) ، والتفت إلى ما قررناه فى الفصل المتقدم (٤) ؛ علم بطلان جميع ما ذكروه ، وبتقدير التسليم ـ جدلا ـ عدم الفاعل المختار ، فلا بد من مناقضتهم فيما ذكروه.
أما قولهم : ما كان من بسائط الأجسام ؛ فلا يكون شكله الطبيعى إلا كريّا ؛ ممنوع قولهم لأن القوة / الواحدة فى بسيط واحد ، لا يفعل إلا المتشابه.
إنما يستقيم أن (١١) / / لو بينوا امتناع قيام قوتين مختلفتين ببسيط واحد ؛ وما المانع منه؟
فلهذا قالوا : إن صور العناصر قابلة للكون والفساد مع بساطتها. وإنما تكون قابلة للكون بقوة قابلة للكون ؛ ولذلك إنما تكون قابلة للفساد ؛ بقوة قابلة للفساد.
__________________
(١) هو أهم كتب الآمدي الفلسفية. انظر عنه ما مر فى المقدمة.
(٢) انظر ما سيأتى فى الفصل السادس : فى إبطال ما قيل إن الأفلاك غير قابلة للحركة المستقيمة والفساد. وأنها ليست ثقيلة ، ولا خفيفة ولا حارة ولا باردة ، ولا رطبة ولا يابسة ، وأنها بسيطة ، كرية ، لا تقبل الخرق والشق ل ٣١ / أوما بعدها.
(٣) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الثانى : فى أنه لا خالق إلا الله ـ تعالى ـ ولا مؤثر فى حدوث الحوادث سواه ل ٢١١ / ب وما بعدها.
(٤) راجع ما مر فى الفصل الثالث ل ٢٥ / ب وما بعدها.
(١١)/ / أول ل ١٧ / أمن النسخة ب.