هذا كله إن كان الجسم قابلا للانتقال عن حيّزه قسرا ، وإن لم يكن قابلا لذلك ؛ فلا بد وأن يكون بسيطا ؛ فإنه لو كان مركبا ؛ لكانت بساطته قابلة للحركة إلى حيّز المركب وإلا لما تركب منها.
ويلزم أن تكون قابلة للانتقال إلى أحيازها ؛ ويلزم من ذلك أن يكون المركب قابلا للانتقال عن حيّزه ؛ وهو خلاف الفرض ؛ فلم يبق إلا أن يكون بسيطا ، والطبيعة الواحدة فى المادة الواحدة لا تقتضى من الأشكال غير المتشابه الأجزاء وليس ذلك غير الكرى ؛ فشكله الطبيعى كرى فلا بد له من وضع سبب لقسمة أجزائه إلى حاوية ، أو محوية.
وإذا كانت أجزاؤه متشابهة ، متماثلة ، ضرورة اتحاد الطبيعة ؛ فليس اختصاص بعض الأجزاء بما اختص به ، أولى من الآخر ؛ بل الواجب أن ما جاز على أحد المثلين ؛ فهو جائز على الآخر ، وذلك لا يكون إلا بغرض الحركة ، والانتقال من وضع إلى وضع ؛ فله مبدأ ميل ، وليس ذلك مستقيما ؛ بل دورى.
فإذن كل جسم لا بد فيه من مبدأ ميل طبيعى لحركة مستقيمة أو وضعية ، ولا يجتمعان.
وطريق الرد عليهم :
أن يقال : أصل ما ذكرتموه مبنى على أن كل جسم لا بد له من حيز طبيعى ؛ وقد أبطلناه فى الفصل الّذي قبله (١) وبتقدير التسليم جدلا لا نسلم أنه لا بد وأن يكون اقتضاء الجسم للحيز بقوة زائدة على ذاته.
قولهم : يلزم أن تكون الأجسام كلها مشتركة فى حيّز واحد ، مسلم ؛ ولكن لا نسلم إحالة ذلك على ما تقدم.
قولهم : الميل مشاهد / فى بعض الأجسام على ما قرروه ؛ لا نسلم ذلك.
وما نحس من المدافعة ، والثقل إنما هو عائد إلى عدم خلق القدرة على دفع ذلك الجسم وتحريكه ، لا أنه عائد إلى أمر فى الجسم.
وإن سلمنا ذلك ، ولكن لم قالوا بلزوم طرد ذلك فى كل جسم.
__________________
(١) راجع ما مر فى الفصل السابق ل ٢٧ / ب وما بعدها.