ومنهم من قال بالأمرين.
ووجه المناقضة لهم أن يقال :
أما القول بالكمون ، والظهور (١) على ما ذكروه ؛ فيوجب صغر حجم الماء إذا سخن بسبب تفرق أجزاء البارد عنه. إذا كبر حجمه أو استحق بسبب اتصال أجزاء الحار الغالب.
فإن قيل : العالم يصغر حجمه عند تفرق أجزاء الغالب عنه لتخلخل أجزائه ، أو لتحقق الخلاء فى آحاد الأجزاء المتفرقة.
وإنما لم يكثر حجمه عند اتّصال الغير به للتكاثف.
قلنا : فالقول بالتخلخل (٢) ، والتكاثف اعتراف بالاستحالة ، ولم يقولوا به والقول بالخلاء أيضا ما لم يقولوا به.
وأما القول بالكون ، دون الاستحالة ؛ فمبنى على اختلاف العناصر فى الصّور الجوهرية القابلة للكون ؛ وقد أبطلناه (٣).
وبتقدير تسليم اختلاف العناصر بالصور الجوهرية فالكون عندهم هو الخروج من العدم إلى الوجود دفعة لا سير يسيرا ؛ وهو ممتنع.
وذلك لأن الكون : إما أن يقع لا فى زمان ، أو فى زمان.
فإن كان الأول : فهو محال.
وإن كان الثانى : فالزمان عندهم متحرى إلى غير النهاية. وأجزاؤه على التقصى ، والتحدد. فالواقع فيه يكون مطابقا له ؛ فلا يكون واقعا دفعة واحدة ، بل سيرا يسيرا.
وما هو كذلك لا يكون كونا ، وفسادا.
__________________
(١) الكمون والظهور : وافق النظام الفلاسفة فى القول بالكمون والظهور. فمن مذهب النظام أن الله ـ تعالى ـ خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هى عليه الآن : معادن ، ونباتا ، وحيوانا ، وإنسانا. ولم يتقدم خلق آدم عليهالسلام خلق أولاده ؛ غير أن الله ـ تعالى أكمن بعضها فى بعض فالتقدم والتأخر إنما يقع فى ظهورها من مكامنها دون حدوثها ووجودها.
وهذه مقالة أصحاب الكمون والظهور من الفلاسفة [الملل والنحل للشهرستانى ١ / ٥٦].
(٢) التخلخل : هو ازدياد حجم من غير أن ينضم إليه شيء من خارج ، وهو ضد التكاثف. والتكاثف : هو انتقاص أجزاء المركب من غير انفصال شيء [التعريفات للجرجانى ص ٦٣ ، ٧٣].
(٣) راجع ما مر ل ٢٨ / أوما بعدها.