وأيضا : فإن العاقل قد يجد من نفسه أنه قادر على شيء دون غيره ، ومريد لشيء ، وكائن لشيء ، وعالم بشيء ، وجاهل بشيء ، (١) وآمر بشيء (١) ، وناه عن شيء. ومتكلما تارة ، وساكنا تارة ، وسامعا تارة ، وغير سامع تارة. وشام تارة ، وغير شامّ أخرى. إلى غير ذلك من الآلام واللذات ، والغموم ، والأفراح وجدانا لا يتمارى فيه. وليس ذلك هو نفس ذاته ، ولا نفس ذات المقدور ، والمراد ، والمعلوم ، ولا هو عدم ، ولا جوهر ؛ لما تقدم (٢) ؛ فكان عرضا.
وهذه دلائل قطعية لا ريب فيها لعاقل. وربما زاد الأصحاب ونقصوا فى العبارات ، والدلائل فى هذا الباب.
وحاصل الكل غير خارج عما ذكرناه. الّا أنا زدناه تحريرا وتقريرا وحذفنا عنه الحشو المستغنى عنه ؛ فليعرف ذلك على وجهه ؛ وليعلم أن ما ذكرناه من الطريق فى إثبات الأعراض غير مستمر على أصول المعتزلة حيث أنهم أثبتوا أحوالها غير معللة ، ككون العالم عالما والقادر قادرا ؛ بلا علم ولا قدرة.
فإذا قيل لهم : لم لا يجوز أن تكون هذه الأمور الزائدة والصفات المذكورة عائدة إلى الصفات الحالية غير معللة ؛ لم يجدوا إلى دفعه سبيلا ، ومع ذلك فالأحوال عندهم ليست من الأعراض فى شيء.
ولهذا قالوا : الأعراض ثابتة فى القدم دون الأحوال.
__________________
(١) (أمر بشيء) ساقط من ب.
(٢) راجع ما تقدم فى أول الفرع ل ٤٠ / أوما بعدها.