وإذا كان لا اختصاص عدما. فالاختصاص بالمكان ثبوت.
ولا جائز أن يكون لا عدما ، ولا وجودا.
إذ هو مبنى على القول : بالأحوال ، وسيأتى إبطالها (١) فلم يبق إلا أن يكون الاختصاص بالمكان وجوديا.
وإذا كان وجوديا : فإما أن يكون متحيّزا بذاته ، أو غير متحيّز.
فإن كان الأول : فهو جوهر فإنا لا نعنى بالجوهر غير الموجود المتحيز بذاته.
وعند ذلك : فإما أن يكون فى حيز الجسم مع الجسم ، أو فى غيره.
فإن كان فى حيز الجسم ؛ فهو عين التداخل بين الجواهر ؛ وقد أبطلناه (٢).
وإن كان فى غير حيز الجسم ؛ فهو جوهر مباين للجسم ، والجوهر المباين للجسم فى حيّزه لا يكون صفة للجسم ، واختصاص الجسم بالمكان صفة للجسم ؛ فلا يكون جوهرا مباينا له.
وإن لم يكن متحيّزا بذاته : فإما أن يكون قائما بالجسم ، أو غير قائم به.
لا جائز أن يكون غير قائم به ؛ وإلا لما كان صفة له.
وإن كان قائما به : فهو المعنى بالعرض ؛ وهو المطلوب.
وقد يمكن طرد هذه الدّلالة فى سائر الأعراض ؛ وذلك أن يقال : قد نشاهد الجسم متحركا بعد أن كان ساكنا ، وأسود بعد أن كان أبيض. وحارا بعد أن كان باردا ، وحلوا بعد أن كان حامضا ، وبالعكس. وليس ما نجده من التفرقة فى هذه الأمور عائد إلى غلط الحس ، كما ظن قوم من الأوائل ، وإلا لأمكن دعوى ذلك فى كل محس ؛ وهو مكابرة للضرورة. ولا إلى نفس الجسم ؛ ولا هو عدم ؛ ولا هو ليس بعدم ولا وجود ، ولا / هو جوهر ؛ لما تقدم تقريره (٣) ؛ فلم يبق إلا أن يكون عرضا.
__________________
(١) راجع ما سيأتى فى الباب الثالث : الأصل الأول : فى الأحوال ل ١١٤ / أوما بعدها.
(٢) راجع ما مر فى الجزء الثانى ـ النوع الأول : فى أحكام الجواهر مطلقا ، الفصل الخامس : فى أن الجواهر لا تتداخل ل ٦ / ب وما بعدها.
(٣) راجع ما تقدم فى أول الفرع ل ٣٩ / ب وما بعدها.