فنقول : اتفق الجمهور من العقلاء على إثبات الأعراض خلافا لابن كيسان الأصم (١)
فإنه (١١) / / قال : العالم كله جواهر.
والمعتمد فى ذلك أن يقال : نحن نشاهد الجسم مختصا بمكان بعد مكان مشاهدة لا ينكرها إلا فاقد الحس أو العقل ، فاختصاص الجسم بالمكان بعد المكان :
إما أن يكون هو نفس ذلك الجسم ، أو المكان الّذي هو فيه أو شيء آخر.
لا جائز أن يكون هو نفس ذلك الجسم ؛ لوجوه أربعة :
الأول : هو أن ذلك الجسم نفسه لا يختلف ، واختصاصه / بالأمكنة مختلف ؛ والمتحد غير المختلف.
الثانى : أن ذلك الجسم قد يدوم ، واختصاصه بالمكان المعين قد لا يدوم ؛ والدائم غير ما ليس بدائم.
الثالث : هو أنا قد نعقل الجسم ، ونجهل اختصاصه بالمكان ؛ والمعقول غير المجهول.
الرابع : هو أن الجسم يوصف بكونه مختصا بالمكان ، والصفة غير الموصوف. ولا جائز أن يكون هو نفس المكان للوجوه الأربعة ولا يخفى توجيهها ؛ فلم يبق إلا أن يكون شيئا آخر زائدا ؛ وذلك الزائد هو الجسم.
فالمكان : إما أن يكون وجودا ، أو عدما ، أو لا عدم ، ولا وجود.
لا جائز أن يكون عدما ؛ لأن نقيض اختصاص الجسم بالمكان ، لا اختصاص بالمكان ، ولا اختصاص بالمكان عدم ؛ لأنه لو لم يكن عدما ؛ لكان ثبوتا. ولو كان ثبوتا ؛ لما وصف المعدوم الممتنع به ؛ لما فيه من اتصاف العدم المحض بالصفة الثبوتية ؛ وهو محال.
__________________
(١) ابن كيسان الأصم (٢٩٩ ه ـ ٩١٢ م) هو محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو الحسن ، المعروف بابن كيسان نحوى ، لغوى مشارك فى بعض العلوم (تاريخ بغداد ١ / ٣٣٥ ، معجم المؤلفين ٨ / ٣١١).
(١١)/ / أول ل ٢٢ / أمن النسخة ب.