فذهب من قال من المعتزلة بأن المعدوم الممكن شيء (١). وذات فى حالة العدم ، إلى أن التحيّز ليس من صفات نفس الجوهر. فإن الجوهر لا يوصف به حالة عدمه. وانما هو من توابع الحدوث ، والوجود للجوهر.
وذهب أصحابنا ، وكل من وافقهم على أن ذات كل شيء هى وجوده إلى أن : التحيّز من صفات ذات الجوهر ، ولوازمه التى لا انفكاك له عنها ، وليس من صفات المعانى.
فإن قيل : لا معنى لتحيز الجوهر غير إضافته إلى الحيّز ، واختصاصه به. وعلى هذا : فما المانع أن يكون اختصاصه بالحيّز لكون أوجب تخصيصه به ، ولا يكون ذلك مقتضى ذات الجوهر ، ولا من صفات (١١) / / نفسه.
أجاب بعض الأصحاب (٢) : بأن التّحيز إنما هو عبارة عن نفس الجرم ، وكونه جرما لا يختلف ، وإن اختلفت أكوانه ، وأعراضه ، ولو كان ذلك ثابتا لعرض من الأعراض ، وكون من الأكوان ؛ لاختلف باختلاف تلك الأكوان.
وأيضا : فإن كونه جرما لا يعقل الجوهر دونه ، ولا هو دون الجوهر ؛ فكان صفة من صفات نفس الجوهر. ولو كان ذلك تابعا لكون من الأكوان الخارجة عن ذات الجوهر ، لأمكن تعقل الجوهر دونه.
قالوا : وعلى هذا فالأكوان ، وإن كانت ملازمة لذات الجوهر ؛ فلا تكون من صفات ذاته ؛ لأنها مختلفة الأجناس ، وصفة النّفس لا تختلف.
وعلم البارى ـ تعالى ـ وإن تعذّر تقدير بقاء ذاته دونه ؛ فليس لأنه من صفات الذات ؛ بل لضرورة قدمه.
ولهذا فأنه يتصور العلم بذاته مع الجهل بعلمه حتى يقوم الدّليل عليه بخلاف صفة الذات.
وأعلم أن هذا الجواب إنما يصح تفريعا على القول بأنّ التحيّز هو نفس المتحيز ؛ وقد عرف ما فيه.
__________________
(١) راجع رأيهم فيما سيأتى فى الباب الثانى ـ الفصل الرابع : فى أن المعدوم هل هو شيء وذاته ثابتة فى حالة العدم أم لا؟ ل ١٠٨ / ب.
(١١)/ / أول ل ٤ / ب من النسخة ب.
(٢) هو الإمام الجوينى. انظر الشامل فى أصول الدين ص ١٥٧ ، ١٥٨.