ولا يصح على القول بالمغايرة بين المتحيّز ، والحيز ، والتحيّز كما حقّقناه. وإنما طريق الجواب تفريعا على هذا الرّأى أن يقال : خصوص آحاد المتحيّزات بآحاد الأحياز ، وإن كان يفتقر إلى تخصيص وكون موجب له ، وليس صفة من صفات نفس الجوهر على ما قرّروه بذلك غير لازم فيما يستحقه لذاته من الحيّز مطلقا غير مخصّص بحيّز دون حيّز ، والفرق بين الأمرين ظاهر.
ولهذا فانا لا نعقل الجوهر دون تعقل كونه متحيزا فى الجملة ؛ بخلاف كونه متحيزا بحيز مخصوص.
فإن قيل : إذا كان الجوهر هو المتحيز ، والعرض هو القائم بالمتحيّز / فالموجود الممكن عندكم لا يخرج عن المتحيز ، والقائم بالمتحيّز ، وتم الرّد على من يعتقد وجود ممكن ليس متحيزا ، ولا قائما بالمتحيز ؛ كما يقوله الفلاسفة فى العقول ، والنفوس الفلكية ، والإنسانية كما سبق فى خلق الأعمال (١).
فنقول : هذا السؤال مما صعب موقعه على فحول المتكلمين ، والأئمة المتبحرين حتى أن منهم من لم يحر فيه جوابا.
ومنهم من خبط بما لا يقنع به المحصلون.
وها نحن نذكر ما ذكروه ، وننبه على ما فيه فنقول : الّذي ذهب إليه المعتزلة وكثير من أصحابنا أن قالوا :
وجود ممكن ليس متحيزا ، ولا قائما بالمتحيّز ، مما لم يضطرنا إليه عقل ولا دل عليه دليل من عقل ، ولا نقل ؛ فلا يكون ثابتا فى نفسه ، وحاصله يرجع إلى نفى المدلول ؛ لانتفاء دليله ؛ وقد عرف بطلانه فيما تقدم فى النظر (٢).
ومن أصحابنا من قال : لو قدرنا موجودا ممكنا ، ليس متحيزا ، ولا قائما بالمتحيّز ؛ لم يبعد أن يبدعه البارى ـ تعالى ـ بحيث وجود متحيز ، ويلزم من ذلك جواز قيامه بذلك المتحيز ؛ إذ لا معنى لقيام غير المتحيز بالمتحيز غير وجوده فى حيث المتحيز.
__________________
(١) انظر ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الثانى ـ الفرع الثانى : فى الرد على الفلاسفة الإلهيين ل ٢١٨ / أوما بعدها.
(٢) انظر ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الثالثة ـ الباب الثانى : فى الدليل ـ الفصل السابع ـ الدليل الثانى : الحكم بانتفاء المدلول لانتفاء دليله. ل ٣٨ / ب وما بعدها.