وأما (١١) / / بيان المقدمة الثانية ، فهو أن كل ممكن مفتقر إلى المرجح لأحد طرفيه على الآخر ؛ لما تقدم فى إثبات واجب الوجود (١).
فالعالم مفتقر إلى المرجح ، وإذا كان مفتقرا إلى المرجح ، لزم أن يكون حادثا لوجهين:
الأول : أن ذلك المرجح : إما أن يكون مرجحا له بذاته ، أو بالقدرة والاختيار.
لا جائز أن يكون مرجحا له بذاته : لثلاثة أوجه :
الأول : هو أن الوجود لا اختلاف فيه بين الذوات الموجودة ؛ بل هو من الواجب ، والجائز بمعنى واحد ؛ كما تقدم تحقيقه.
وعند ذلك : فليس القول بترجيح وجود العالم ، بما ترجح به أولى من العكس.
الثانى : أن الجائزات بأسرها متماثلة ، من حيث هى جائزة وهى فلم تكن مفتقرة إلى المرجح إلا من حيث اشتركت فى صفة الإمكان.
والواجب بالذات ، لا يخصص مثلا عن مثل : لأن نسبته إلى جميع المتماثلات ؛ نسبة واحدة.
الثالث : أن الموجب بذاته مهما لم يكن بينه ، وبين ما أوجبه مناسبة ، وتعلق لم يقض العقل بصدور أحدهما عن الآخر أصلا ، ولا يخفى أن البارى ـ تعالى ـ متفرد بحقيقته غير مناسب لشيء من / الجائزات فلا يكون بذاته موجدا لشيء منها.
فلم يبق إلا أن يكون مرجحا له بالقدرة والاختيار ، وإذا كان كذلك : فلا بد وأن يكون قاصدا للإيجاد ، والقصد إلى إيجاد الشيء ، إما أن يكون فى حال دوام وجوده ، أو فى حال حدوثه ، أو قبل حدوثه.
لا جائز أن يقال بالأول : لما فيه من قصد تحصيل الحاصل ، وإيجاد الموجود ؛ وهو محال.
وإن كان الثانى ، والثالث : فقد لزم الحدوث.
__________________
(١١)/ / أول ل ٤٥ / ب.
(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الأول : فى إثبات واجب الوجود بذاته وبيان حقيقته ووجوده ل ٤١ / أوما بعدها.