الوجه الثانى : فى بيان أن ما افتقر إلى المرجح لا يكون إلا حادثا ، وإن لم يكن المرجح مختارا. وهو أن احتياج الممكن إلى المرجح ، إما أن يكون أيضا فى حال وجوده ، أو فى حال عدمه.
فإن كان فى حال وجوده : فإما فى حالة دوامه ، أو فى ابتداء وجوده.
لا جائز أن يكون ذلك فى حال دوامه ؛ لما تقدم ، فلم يبق إلا القسمان الآخران ، ويلزم منه الحدوث ، وفى هذا المسلك نظرا ؛ إذ لقائل أن يقول : ما المانع من القول بالوجوب.
قولهم : إن أجزاء العالم [متغيره عيانا. إنما يصح أن لو كانت جميع أجزاء العالم] (١) مشاهدة بالعيان. وما المانع من وجود أجزاء غير مشاهدة : كما يقوله الخصوم من العقول ، والنفوس الفلكية ؛ على ما سبق تعريفه (٢).
ولا يخفى أن الدلالة على انتفاء ذلك صعب جدا ، وبتقدير انتفاء هذه الأجزاء فلا نسلم أن جملة أجزاء العالم مشاهدة بالعيان حتى لا يخرج منها شيء من العالم العلوى ، والسفلى.
وعلى هذا : فجاز أن يكون حكم ما لم نشاهد على خلاف ما شوهد ، وبتقدير التسليم بمشاهدة الكل عيانا ـ فالمتغير عيانا كل واحدة من الأجزاء ، أو البعض دون البعض.
الأول : ممنوع ولا سبيل إلى دعواه مهما نشاهد من بقاء أجرام الأفلاك وبعض أعراضها : كأشكالها ، وأنوار كواكبها ، إلى غير ذلك.
والثانى مسلم.
وعلى هذا : فما هو دليل الإمكان ، غير عام لجملة أجزاء العالم.
قولهم (٣) : إن العالم مركب. مسلم.
ولكن ما المانع أن تكون أجزاؤه واجبة؟
وما ذكروه من الدلالة ؛ فقد بينا ضعفها فى مسألة الوحدانية (٤).
__________________
(١) ساقط من (أ).
(٢) راجع ما سبق ل ٣٢ / أوما بعدها.
(٣) من أول «قولهم : إن العالم مركب إلى قوله : «فى مسألة الوحدانية» نقله ابن تيمية فى (درء التعارض ٤ / ٢٤٧ ، ٢٤٨) ثم علق عليه وناقشه بالتفصيل.
(٤) راجع ما سبق فى الجزء الأول : النوع الخامس : فى وحدانية الله ـ تعالى ـ ل ١٦٦ / أوما بعدها.