كيف : وأنه لو كان المرجح إنما يرجح لمعلوله باعتبار ما وقعت به المساواة بينهما.
لم يكن جعل أحدهما مرجحا للآخر ؛ أولى من العكس.
إن قدر أنه لا بد من المساواة بينهما في أمر من الأمور فقولهم : إن البارى ـ تعالى ـ غير مشارك لشيء من الجائزات في أمر ما ؛ مناقض لما قرر فى الوجه الأول. من وجوب الاشتراك بين الواجب ، والجائز ، فى معنى الوجود ولا مدلوله.
وإن سلمنا : أنه موجد بالقدرة ، والاختيار ؛ ولكن لا نسلم لزوم الحدوث ، وما ذكروه من تقريره ، إنما يلزم أن لو انحصرت الأقسام فيما ذكروه.
وما المانع أن يقال بقسم آخر وهو أن يكون قصده له مقارنا لوجوده ، مع قدمه ، ولا بد من إبطال هذا القسم ، لصحة الدلالة على الحدوث. ولم يتعرضوا له.
وبهذا يبطل قولهم إن افتقار الممكن إلى المرجح ، لا يكون إلا فى حالة حدوثه ، أو عدمه.
والّذي يدل على إمكان ما ذكرناه من القسم هو أن عدم العالم قبل حدوثه قديم أزلى ، وإلا كان العالم موجودا قبل عدمه ، ولو كان موجودا قبل عدمه فإما أن يكون قديما أو حادثا ، فإن كان قديما : فهو ما يقوله الخصوم.
كيف ، وأنه لو كان قديما ؛ لما عدم على أصول أهل الحق ؛ وقد فرض عدمه.
وإن كان حادثا : فالكلام فى العدم السابق عليه كالكلام فى الأول وهو تسلسل ممتنع. فلم يبق إلا يكون عدمه السابق عليه أزليا.
وإذا كان عدمه أزليا : فإما أن يكون واجبا لذاته ، أو ممكنا لذاته. لا جائز أن يقال بالأول : وإلا لما تصور دفعه ، وزواله ؛ لأن الواجب لذاته لا يزول.
ولو أمكن ذلك فى العدم الواجب ؛ لأمكن فى الوجود الواجب ؛ ضرورة عدم الفرق ؛ وهو محال ، وإذا كان جائزا : فلا بد من مرجح ؛ ضرورة إمكانه ، وجوازه وسواء كان المرجح مرجحا بذاته ، أو بالاختيار ، ويلزم من ذلك إبطال القول بأن المفتقر إلى المرجح ؛ لا بد وأن يكون حادثا ؛ إذ الأزلى ليس بحادث ؛ وهذا مما لا جواب عنه.
وقد أورد بعض الأصحاب على القول بأن المفتقر إلى المرجح لا بد وأن يكون حادثا إشكالات مشكلة ، لا بد من الإشارة إليها ، وإلى جهة دفعها تكثيرا للفائدة.