وبيان المقدمة الأولى : ما سبق فى حصر الموجود الممكن (١).
وبيان المقدمة الثانية ، أما أن الأعراض حادثة ؛ فلأنا بينا أن الأعراض ممتنعة البقاء ، وكل ممتنع البقاء ؛ فهو حادث مسبوق بعدم نفسه ، فكل واحد من الأعراض حادث ؛ مسبوق بعدم نفسه.
وعند ذلك : فإما أن تكون متعاقبة فى وجودها ، إلى غير النهاية أو هى منتهية إلى عرض ليس وراءه عرض آخر.
الأول : محال : لما بيناه من امتناع حوادث لا أول لها تنتهى إليه فى إثبات واجب الوجود (٢) ؛ فلم يبق إلا القسم الثانى : وهو أن تكون جملتها متناهية ، ومسبوقة بالعدم ؛ فتكون حادثة.
وأما أن الجواهر حادثة : فلأنا بينا فيما تقدم : امتناع عرو الجواهر عن الأعراض (٣). وإذا كانت الأعراض التى لا عرو للجواهر عنها حادثة ، ومسبوقة بالعدم ؛ فالجواهر كذلك ؛ لأن ما لا يعرى عما له أول ، وهو حادث ؛ فله أول ؛ وهو حادث ، وإلا فلو كان قديما ؛ للزم منه :
إما عروه عن العرض فى حال قدمه ، وإما أن تكون الأعراض لا أول لها ، وكل واحد من الأمرين محال ، لما تقدم (٤).
وأما بيان المقدمة الثانية :
من أصل الدليل : فهو أن ما كانت أجزاؤه حادثة ، ولها أول تنتهى إليه : فالهيئة الاجتماعية الكائنة عنها ؛ تكون حادثة مسبوقة بالعدم ؛ وهو معلوم بالضرورة (٥).
وإذا ثبتت المقدمتان ؛ لزم أن يكون العالم حادثا مسبوقا بالعدم ضرورة.
__________________
(١) راجع ما مر من المسلك الأول ل ٨٦ / أوما بعدها
(٢) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الأول : فى إثبات واجب الوجود بذاته وبيان حقيقته ، ووجوده ل ٤١ / أوما بعدها.
(٣) راجع ما مر فى النوع الأول ـ الفصل السابع : فى امتناع تعرى الجوهر عن الأعراض ، وتعليل قبوله لها. ل ٨ / ب وما بعدها.
(٤) راجع ما مر فى الأصل الثانى ـ الفرع الرابع : فى تجدد الأعراض ، واستحالة بقائها ل ٤٤ / ب وما بعدها.
(٥) إلى هنا انتهى ما نقله ابن تيمية فى كتابه (درء تعارض العقل والنقل ٣ / ٤٥٠ ، ٤٥١) ثم علق عليه «فهذا تمام تقريره لهذا المسلك الّذي ارتضاه» ثم ناقشه بالتفصيل فى ص ٤٥١ وما بعدها.