وإن سلمنا امتناع قيام العلّة بنفسها مطلقا ؛ فما المانع من قيامها بمحل غير محل الحكم.
وقولكم : يمتنع أن يكون العلم قائما بمحل ، والعالمية الثابتة به فى غير محله متى إذا كان محل العلم هو جزء من المحل الّذي ثبت كونه عالما ، أو إذا لم يكن جزء منه.
الأول : ممنوع. والثانى مسلم.
ويدل عليه إطباق العلماء على نعت جملة الإنسان بكونه عالما ، قادرا ، مريدا.
وإن كان العلم ، والإرادة ، والقدرة ؛ لم يوجد إلا فى جزء منه.
وخرج عليه العلم القائم بزيد ؛ فإنه لا يوجب كون عمرو عالما به بحيث أن زيدا لم يكن جزء من عمرو
وإن سلمنا : امتناع قيام العلم بمحل ، وقيام العالمية الثابتة بمحل آخر ؛ ولكن لا يلزم منه امتناع ذلك بالنظر إلى كل علة ، وكل حكم وبيانه ما ذكره الأستاذ أبو بكر من أصحابكم
وذلك أن فعل البارى ـ تعالى ـ علة كونه فاعلا ، وفعله غير قائم بنفسه.
وكذلك العلم : فإنه علة كون المعلوم ، معلوما. والقدرة : علة كون المقدور مقدورا والإرادة علة كون [المراد ، مرادا ، والذكر علة كون] (١) المذكور ، مذكورا.
وإن لم يكن العلم ، والقدرة ، والإرادة ، والذكر : قائما بالمعلوم والمقدور ، والمراد ، والمذكور.
وكذلك النهى : علة كون الفعل محرما ، والأمر : علة كونه واجبا / والنهى والأمر ؛ ليسا من صفات الفعل الواجب ، والمحرم.
قلنا : أما الوجود : إن قلنا : إنه علة كون الجوهر مريدا ؛ فهو زائد على الذات الموصوفة به ، على رأى كثير من أصحابنا ؛ وهو قائم بها.
وإن قلنا : إن الوجود ليس هو علة كون الجوهر مركبا كما هو مذهب كثير من الأصحاب ، فقد اندفع الإشكال أيضا.
__________________
(١) ساقط من «أ».