وإن قال بإطلاق اسم الجسم على الله ـ تعالى ـ لفظا مع موافقته على انتفاء المعنى ؛ فهو ممتنع ، لما سبق فى إبطال (١١) / / التشبيه (١).
وقال بعض الكرامية (٢) الجسم هو الموجود ؛ ويبطل بالجوهر الفرد أيضا وبالعرض ؛ فإنه موجود ؛ وليس بجسم.
وقال هشام (٣) : الجسم هو الشيء ، وينتقد أيضا بالجوهر الفرد ، وبالعرض ، فإنه شيء ، وليس بجسم.
ويدل على أن العرض شيء قوله تعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) (٤) وأراد به تحريفهم ، وتبديلهم ، والتحريف ، والتبديل من أفعال العباد ، وأفعال العباد أعراض. وينتقض أيضا بالله ـ تعالى ـ ؛ فإنه شيء بالاتفاق ، وليس جسما بالمعنى اللغوى. وإن اطلق عليه اسم الجسم لفظا لا معنى ؛ فهو باطل لما سبق (٥) واتفقت الفلاسفة على أن الجسم هو الّذي يمكن فيه فرض أبعاد ثلاثة متقاطعة ، على حد واحد ، تقاطعا قائما. والمراد من التقاطع القائم ، أن يحدث من تقاطع كل بعدين منهما زاوية قائمة.
والزاوية القائمة : هى التى تحدث من قيام بعد على بعد ؛ ليس ميله إلى إحدى الجهتين أكثر من الأخرى (٦).
قالوا : إذا كان معنى الجسم هذا ؛ فهو لا محالة قابل للانقسام والانفصال.
فالقابل للانفصال منه : إما أن يكون هو نفس البعد المفروض فيه ، أو شيء آخر. لا جائز أن يكون هو نفس البعد المفروض : إذ هو مع انفصاله لا يكون بعدا ، من حيث أن البعد اسم للمتصل ، والجسم مع فرض الانفصال يكون مفارقا للبعد المفروض فيه ، ولا يخرج عن كونه جسما ؛ لما تقرر فى حدّ الجسم.
__________________
(١١)/ / أول ل ١٢ / أ.
(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ١٤٣ / ب وما بعدها.
(٢) انظر الشامل لإمام الحرمين الجوينى ص ٤٠١. فقد ذكر رأى الكرامية بالتفصيل. وانظر ما سيأتى فى القاعدة السابعة ل وما بعدها.
(٣) هو هشام بن الحكم راجع ترجمته فيما مر فى الجزء الأول فى هامش ل ٧٢ / ب أما عن رأيه فانظر مقالات الإسلاميين ٢ / ٦ والملل والنحل ١ / ١٨٤ ، ١٨٥.
(٤) سورة القمر ٥٤ / ٥٢.
(٥) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الرابع ـ المسألة الثانية : فى أن البارى ـ تعالى ـ ليس بجسم ل ١٤٣ / ب وما بعدها.
(٦) قارن بما ورد فى (المبين فى شرح معنى ألفاظ الحكماء والمتكلمين) ص ١١١ لسيف الدين الآمدي.