العهود ، فلم ينقضوا أنهم غير متولين للكفار في أديانهم ، ولا راضين بعبادة ما كان الكافرون يعبدون من أوثانهم ، ولا ما كانوا يشرعون في دينهم من الشرائع ، ويفترون على الله فيه من الشنائع ، في أكل الميتة والدم ، وما كانوا يحلون من كل محرّم ، بل كانوا لهم في ذلك مخالفين ، ولعملهم فيه من القالين ، ولكنهم كانوا لهم موالين ، وإن لم يكونوا لدينهم قائلين ، وكانوا لهم على دينهم من العائبين ، ولهم في أنفسهم من المعادين ، ولكنهم كانوا أولياء لهم بالنصرة والموادّة ، وبما ذكرنا من الجوار والمعاملة والمقاعدة.
أفلا (١) ترون كيف جعلهم رب العالمين ، بموالاتهم لمن ظلم من الظالمين؟! فأثبت سبحانه عليهم في الحكم ، أنهم عنده كهم في الظلم ، وأنهم منهم بموالاتهم لهم ، وإن كانوا برءاء منهم في شرائع دينهم ، وجاهلين بأكثر أقاويلهم ، لا يعملون منها حرفا ، ولا من أوصافهم فيها وصفا ، فلذلك (٢) كان من الموالاة ، ما ذكرنا من القرب والمداناة ، التي منها المجاورة والمحالّة ، كما منها الإخاء والمخالّة.
ومن قارب شيئا ودنا إليه ، فهو غير شك يليه ، وكذلك في المحبة من والاكم ، فقد وادّكم وآخاكم. ومن ذلك حرم الله سبحانه المجاورة والمداناة ، إذا كانت بين (٣) أهلها مقارنة وموالاة ، ففرض الله على نبيه صلى الله عليه وعلى المؤمنين الهجرة لدار من كفر به ، ولم يصر إلى القبول عنه لما جاء به من (٤) ربه ، ولمن هاجر ـ يومئذ من المؤمنين عن الدار ، وما أمر الله بهجرته من الكفار ، وقبلهم وفيهم ، وعندهم ولديهم ـ الأموال والديار العامرة ، والأبناء والأهلون والقرابة الناصرة ، فألزمهم (٥) الله لذلك كله الهجرة ، وأوجب عليهم لدينه ولأنفسهم النصرة ، وأبقى الهجرة بعدهم ، لمن سلك قصدهم ، شريعة ثابتة قائمة ، وفريضة للمؤمنين لازمة دائمة.
__________________
(١) في (ب) و (د) : ألا.
(٢) في (ب) و (د) : ولذلك.
(٣) في (ب) و (د) : من.
(٤) في (ب) و (د) : عن.
(٥) في (ب) : وألزمهم.