تفسير سورة قريش
بسم الله الرحمن الرحيم
(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢)) المعنى : هو إلفهم وإيلافهم فقريش من أنفسهم وحليفهم ، ومن جاورهم في الحرم ولفيفهم ، فكل من كان يسكن في الحرم في مسكنهم ، ويأمن بمكانه معهم في الحرم بأمنهم ، ويرحل معهم إذا أراد أمنا الرحلتين ، وينتقل معهم الطعام والإدام في السنة نقلتين ، لا يعرض لهم أحد من العرب بقطع في الطريق ، وليسوا في شيء مما فيه غيرهم من الخوف والضيق ، والعرب كلهم خائفون جياع ، وهم كلهم آمنون شباع ، لحرمة البيت عند العرب وتعظيمه وإجلاله ، ولإكبارهم القطع على سكان الحرم ونزّاله ، فذكّرهم في ذلك تبارك وتعالى بنعمته ، وبما منّ به تعالى من بركة الحرم وحرمته.
وفي ذلك وذكره ، وما ذكرنا من أمره ، ما يقول الله سبحانه : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧)) [القصص : ٥٧] ، وفيه ما يقول الله سبحانه : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ (٦٧)) [العنكبوت : ٦٧].
وتأويل (فَلْيَعْبُدُوا) ، هو : فليوحدوا ، ومعنى ليوحدوا : فهو ليخلصوا ، ومعنى ليخلصوا : فهو ليفردوا بعبادتهم ، وليخصوا (رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤)) الذي بمكانهم منه ، وبما كان من مجاورتهم له ،
__________________
ـ لها ثوابا إن صلوا ، ولا يخافون عليها عقابا إن تركوا ، فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها ، فإذا كانوا مع المؤمنين صلوها رياء ، وإذا لم يكونوا معهم لم يصلوا ، وهو قوله : (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ).
وأيضا عن جعفر الصادق عليهالسلام سأله يونس بن عمار عن قوله : (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) أهي وسوسة الشيطان؟ فقال : لا كل أحد يصيبه هذا ، ولكن أن يغفلها ، ويدع أن يصلي في أول وقتها ، وعنه أيضا : هو الترك لها والتواني عنها.
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) قال : هي الزكاة ، وعن الإمام الصادق : هو القرض تقرضه ، والمعروف تصنعه ، ومتاع البيت تعيره ، ومنه الزكاة. مجمع البيان ٦ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩.