لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) (٧٥) [النساء : ٧٥] ، فكفى بهذا كله وما تلونا منه في وجوب الهجرة بيانا وتنويرا.
وما كان من موسى صلى الله عليه ، عند رجعته إلى قومه (١) في أخيه ، إذ أقام مع العاصين في مكانهم ، وهم مصرون لله على عصيانهم ، ففيه عبرة لمعتبر ، وبيان وموعظة لمدّكر ، قال الله سبحانه ، لا شريك له : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (١٥٠) [الأعراف : ١٥٠] ، فأخذ صلى الله عليه برأس أخيه يجره إليه غضبا وأسفا ، وتغيظا وتلهفا ، وإعظاما وإكبارا ، وتقبيحا وإنكارا ، لمقامه معهم وبين أظهرهم ، مع ما صاروا إليه من معصية الله في أمرهم ، وهارون صلى الله عليه مباين لهم فيما هم فيه من عصيانهم وضلالهم ، وما ارتكبوا فيما بينهم وبين الله من سيئ أفعالهم ، يأمرهم دائما بالهدى ، وينهاهم عما هم عليه من الضلالة والردى ، يناديهم في إنكاره ، وتقبيحه وإكباره ، بصوت منه صيّت رفيع ، يسمعه منهم كل سميع.
فتمسك ـ صلى الله عليه في نفسه ، ومن أطاعه من آله وغيرهم من قومه ـ بعصم الحق والرشد والهدى ، بريء مما هم فيه من الضلالة والردى ، يقول صلى الله عليه (٢) : (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي) (٩٠) [طه : ٩٠] ، فما منعه ذلك كله من سخط موسى عليه ، ولا من وثوبه صلى الله عليه إليه ، (٣) يجره بلحيته ورأسه ، وهارون في كرب أنفاسه ، يعتذر في غمة كربه ،
__________________
(١) في (أ) : رجعته إلى أخيه.
(٢) سقط من (أ) : صلى الله عليه.
(٣) سقط من (أ) : صلى الله عليه.