وعند ما أحل من سخط الله المخلد بهم ، إلا أن قال : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (١٠٨) [المؤمنون : ١٠٨].
يا أخيّ فاسمع ما تسمع سماع متبع ، ولا تسمعه سماع مستمع ، فرب مستمع غير سميع ، وسامع مطيع ، كما قال الله سبحانه : (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا) ـ تأويل ذلك : لم يطيعوا ولم يعوا ـ (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (١٩٨) [الأعراف : ١٩٨]. وتأويل ذلك : لا يبصرون من الهدى ما تبصرون. وفيمن سمع بالسمع ، ولم يسمع ولم يطع ، ما يقول الله تبارك وتعالى في التنزيل ، للعصاة من بني إسرائيل: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا) [البقرة : ٩٣]. فنسأل الله أن يمن بالسماع النافع عليك وعلينا ، فإنا من الصمم والحيرة والظلم في البحر الزاخر ، واللج الغامر ، فلا ينجو من غمره إلا من نجاه الله ، ولا يلجأ من غرقه إلا من أنجاه ، والله المستعان ، وعليه التكلان.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد : فاعلم يا أخيّ ، أنا وإياك في بحر من بحور العمى عميق ، لا يصل معه أحد إلى هدى إلا أن يرشده الله ويهديه إلى ملجأ وثيق ، فكر أهله سقيمة مدخولة ، وعبر من فيه فعظيمة مجهولة ، لا يعتبر بها منهم معتبر ، ولا يفكر فيها منهم مفكر ، فقلوب من يسمعها منهم ويراها ، مقفلة والله المستعان على هداها ، فهدانا الله يا أخيّ وهداك ، بما أرانا الله منها وأراك ، ونفعنا ونفعك ، بما أسمعنا وأسمعك ، فكم رأينا وسمعنا من عبر لا نحصيها ولو جهدنا كل جهد ، وفي الاعتبار بأقلها أهدى الهدى وأرشد الرشد ، (١) فمنهم ما نرى بالعيان ، ونسمعه في كل حين بالآذان ، من موت وفناء ، يذهب دائبا بالأحياء ، تراه عيانا كل عين ، وتسمع به في كل حين ، وكم رأينا عيانا من جار ومعارف ، وقرين محالّ مؤالف ، قد دهاه من حمام الموت وفاته ما دهاه ، واغتره ما كان فيه من حياة دنياه ، ولحق بدار الموت والبلاء ، وصار إلى محلة الموت والفناء ، فمات
__________________
(١) في المخطوطة : الرشاد. وما أثبت اجتهاد.