ولا صنّاع.
وفي ذلك ، ولأولئك ، ما يقول الله سبحانه : (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) (١) يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر : ٢٩] ، فافهموا هداكم الله عن الله هذا البيان والنور. واعرفوا قوله ، جل جلاله : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) [النور : ٣٦ ـ ٣٧]. واعلموا أن التجارة مشغلة وملهاة ، لكل من آثر على دينه دنياه ، وبخل عن الله من الدنيا بما أعطاه ، واقتصر لنفسه مما ينجيها ، على رجاء المغفرة وتمنّيها ، مقيما على المعاصي لا يزول عنها ولا يبرح ، ظالما لنفسه لا يشفق عليها ولا ينصح ، ولا يقبل من رشده وهداه ، إلا ما وافق محبته وهواه ، عدوّا لمن نصحه في الله ، معرضا عمن دعاه إلى الله ، لم ينصفه مفتر عليه فيه بهّات ، (٢) له جلبة بجهله وأصوات ، يقول الباطل ، ويتبع الجاهل ، ليس له في نصح الناصحين حظ ولا نصيب ، ولا له مع جهله من الصالحين ولي ولا حبيب ، فهو كما قال صالح نبي الله ورسوله ، صلوات الله عليه ورضوانه ، إذ تولى عن قومه ، عند نزول عذاب الله بهم ونقمه ، (٣) (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩)) [الأعراف : ٧٩]. وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) (١٥٢) [الشعراء : ١٥٠ ـ ١٥٢]. فأسرف الاسراف وأفسد الفساد ، كل ما صد بأهله عن الهدى والرشاد.
وأرشد الرشاد والهدى ، وأقصده إلى كل خير قصدا ، تنزيل الله ووحيه ، وأمره فيه ونهيه ، وهو يا بني : الذكر الحكيم ، وفيه ما يقول الخبير العليم : (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ
__________________
(١) في المخطوطتين : أثبت أول الآية : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً ...) الآية وتكملتها (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة / ٢٧٤]. ولعل ذلك سهو من الناسخ.
(٢) كثير البهتان.
(٣) في المخطوطتين : ونقمته. ولعل الصواب ما أثبت ، والله أعلم.