تكون الصور الجميلة الملِذَّة أو الصور القبيحة المؤلمة من لوازم الملكات المكتسبة التي تعد جزءاً لبدن الإنسان ، فالسؤال عندئذ ساقط من أصله لأنّها من لوازم الوجود ، واللازم لا يُعلَّل ، كما أنّ الزوجية من لوازم الأربعة فإيجاد الأربعة إيجاد للزوجية ، كما أنّ إعادة الإنسان بماله من الملكات إعادة للوازمه بلا حاجة إلىٰ جعل آخر.
وهناك جواب ثالث وهو : انّ الجزاء خيره وشره صور برزخية للأعمال الدنيوية التي يكتسبها الإنسان طيلة حياته ، وكأنّ للعمل كالصلاة والصوم وجودين ، وجوداً دنيويّاً ووجوداً أُخرويّاً ، فالصلاة في هذه النشأة أذكار وحركات ، وفي النشأة الأُخرى نور وقربة ، كما أنّ الصوم في هذه النشأة إمساك ، وفي النشأة الأُخرىٰ جُنّة من النار.
فليس الجزاء خيره وشره أمراً مخلوقاً ، بل إعادة لنفس الأعمال لكن بوجودها البرزخي ، ولا مانع من أن يكون لشيء واقعية واحدة وتجليات مختلفة ، فالذهب والفضة المكنزان يتجلّيان في هذه النشأة بصورة برّاقة تسرّ الناظرين ، وفي النشأة الأُخرىٰ بصورة نار تكوى بها جلودهم وظهورهم ، فالنار الأُخروية التي تكوىٰ بها هي نفس الكنز المحتكر ولكن لها تجليات حسب اختلاف النظر ، وإليه يشير سبحانه ويقول : ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ). (١)
فقوله سبحانه : ( هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ ) إشارة إلى النار التي تكوىٰ بها الجباه والجنوب ، فالنار حسب الرؤية القرآنية هي نفس الذهب أو الفضة ولكن تجلّت بوجود برزخي.
__________________
١. التوبة : ٣٤ ـ ٣٥.