والأُخرى مجردة مثالية ، بل يكفي كونها من سنخ واحد ولكن على نحو أكمل ممّا نشاهده في هذه الدنيا.
كيف يمكن أن يقال إنّ خروج النفس عن البدن آية تكاملها ونفاد قواها واستعدادها مع أنّ أكثر أنواع الموت انتشاراً هو الموت الاخترامي لا الطبيعي ؟
وللسيد العلاّمة الطباطبائي كلام مفصل في نقد هذه الشبهة ، إذ يقول :
إنّ عود الميت إلىٰ حياته الدنيا ثانياً في الجملة وكذا المسخ ليسا من مصاديقه ، بيان ذلك : أنّ المحصل من الحس والبرهان أنّ الجوهر النباتي المادي إذا وقعت في صراط الاستكمال الحيواني فانّه يتحرك إلى الحيوانية ، فيتصور بالصورة الحيوانية ، وهي صورة مجرّدة بالتجرّد البرزخي ، وحقيقتها إدراك الشيء نفسه بإدراك جزئي خيالي وهذه الصورة وجود كامل للجوهر النباتي وفعلية لهذه القوّة تلبس بها بالحركة الجوهرية ومن المحال أن ترجع يوماً إلى الجوهر المادي فتصير إيّاه إلاّ أن تفارق مادتها فتبقى المادة مع صورة مادية كالحيوان تموت فيصير جسداً لاحراك به.
ثمّ إنّ الصورة الحيوانية مبدأ لأفعال إدراكية تصدر عنها ، وأحوال علمية تترتب عليها ، تنتقش النفس بكلّ واحد من تلك الأحوال بصدورها منها ، ولا يزال نقش عن نقش ، وإذا تراكمت من هذه النقوش ماهي متشاكلة متشابهة تحصل نقش واحد وصار صورة ثابتة غير قابلة للزوال ، وملكة راسخة ، وهذه صورة نفسانية جديدة يمكن أن يتنوع بها نفس حيواني فتصير حيواناً خاصاً ذا صورة خاصة منوعة كصورة المكر والحقد والشهوة والوفاء والافتراس وغير ذلك وإذا لم تحصل ملكة بقي النفس على مرتبتها الساذجة السابقة ، كالنبات إذا وقفت عن حركتها الجوهرية بقي نباتاً ولم يخرج إلى الفعلية الحيوانية ، ولو أنّ النفس البرزخية تتكامل من جهة أحوالها وأفعالها بحصول الصورة دفعة لانقطعت علقتها مع البدن في أوّل وجودها لكنّها تتكامل بواسطة أفعالها الإدراكية المتعلّقة