بالمادة شيئاً فشيئاً حتى تصير حيواناً خاصاً إن عمّر العمر الطبيعي أو قدراً معتداً به ، وإن حال بينه وبين استتمام العمر الطبيعي أو القدر المعتد به مانع كالموت الاخترامي بقي على ما كان عليه من سذاجة الحيوانية ، ثمّ إنّ الحيوانية إذا وقعت في صراط الإنسانية وهي الوجود الذي يعقل ذاته تعقلاً كلياً مجرداً عن المادة ولوازمها من المقادير والألوان وغيرهما خرج بالحركة الجوهرية من فعلية المثال التي هي قوة العقل إلى فعلية التجرّد العقلي ، وتحققت له صورة الإنسان بالفعل ، ومن المحال أن تعود هذه الفعلية إلى قوتها التي هي التجرد المثالي على حدّ ما ذكر في الحيوان.
ثمّ إنّ لهذه الصورة أيضاً أفعالاً وأحوالاً تحصل بتراكمها التدريجي صورة خاصة جديدة توجب تنوع النوعية الإنسانية إلى حدّ ما ذكر نظيره في النوعية الحيوانية.
إذا عرفت ما ذكرناه ظهر لك أنّا لو فرضنا إنساناً رجع بعد موته إلى الدنيا وتجدد لنفسه التعلق بالمادة وخاصة المادة التي كانت متعلّقة نفسه من قبل لم يبطل بذلك أصل تجرد نفسه فقد كانت مجرّدة قبل انقطاع العلقة ومعها أيضاً وهي مع التعلّق ثانياً حافظة لتجرّدها ، والذي كان لها بالموت أنّ الأداة التي كانت رابطة فعلها بالمادة صارت مفقودة لها فلا تقدر على فعل مادي كالصانع إذا فقد آلات صنعته والأدوات اللازمة لها ، فإذا عادت النفس إلىٰ تعلّقها الفعلي بالمادة أخذت في استعمال قواها وأدواتها البدنية ووضعت ما اكتسبتها من الأحوال والملكات بواسطة الأفعال فوق ما كانت حاضرة وحاصلة لها من قبل واستكملت بها استكمالاً جديداً من غير أن يكون ذلك منها رجوعاً قهقري وسيراً نزولياً من الكمال إلى النقص ، ومن الفعل إلى القوة. (١)
ولأجل إيضاح الموضوع نقول :
__________________
١. الميزان : ١ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧.