إنّ هناك فرقاً بين النفس المجرّدة التي كانت كذلك منذ بدء أمرها وبين النفس المجرّدة التي يكون تجردها حصيلة تكامل البدن ووقوعه في السير التكاملي للحركة الجوهرية ، فالنفس على النحو الأوّل أي المخلوق مجرّداً من بدء خلقها لا يمكن تعلّقها بالبدن ، لأنّها تفقد الانسجام المطلوب بينها وبين البدن ، بخلاف النفس الثانية التي يكون تجردها حصيلة الحركة الجوهرية.
فانّها تحتفظ بشيء من استعداداتها وقابلياتها عند مفارقتها للبدن ، وبذلك تحافظ على انسجامها عند تعلقها بالبدن.
أضف إلى ذلك أنّ تعلّق المجرّد بالمادي إنّما يعد نقصاً إذا صار سبباً لنزوله من الدرجة العالية إلى الدرجة السافلة ، وأمّا إذا كان الشيء الواحد ذا درجات ومراتب فلا مانع من أن يتعلق بالمادة بمالها من الدرجة الدانية ، وقد عرفت أنّ النفس في وحدتها موجود طبيعي مثالي عقلاني.
بل يمكن أن يقال : إنّ تعلّق النفس بالبدن العنصري يوم القيامة كتعلّق عالم الشهادة بعالم الغيب وعالم الطبيعة بعالم النفوس والعقول ، فكما أنّ العالمين مدبرتان لعالم الطبيعة ومع ذلك لا يلزم وقوعهما في قوس النزول ، فهكذا الحال عند تعلّق النفس بالبدن يوم القيامة لا يستلزم وقوعها في القوس النزولي.
على أنّ ثمّة احتمالاً آخر وهو انّ تعلّق النفس بالبدن يوم القيامة لأجل إمكان درك الثواب والعقاب الماديين ، إذ ثمة نوع من الثواب والعقاب لا يمكن أن تدركها النفس إلاّ أن تكون متعلقة بالبدن وتكون كاللباس حين الخلع.
إلى هنا تمّ ما نرمي إليه من استعراض الشبهات المطروحة علىٰ هذا الصعيد مع نقدها ومناقشتها.