ولازم ذلك أنّ الروح بعدما تكاملت وتبدّلت قواها إلى الفعلية تأخذ بالقوس النزولي فيتعلق بالنبات والحيوان والجنين فتبدأ حياتها من جديد ، فَتُجزى حسب أعماله في الحياة السابقة ، هذا هو التناسخ المصطلح بين الإسلاميين وفلاسفة الاغريق.
وكثيراً ما يلتجئ إلىٰ هذه الفرضية من ينكر المعاد ، لأنّ رجوعه إلى عالم الدنيا لأجل الجزاء ، ومعه لا حاجة إلى المعاد.
ذهب القائلون بالتناسخ إلى أنّ الإنسان في هذه الدنيا بين محسن ومسيء فيعود إلى الدنيا ليجزىٰ المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، فما يرىٰ من ابتلاء طائفة بالمصائب والمتاعب فإنّما هي جزاء أعمالها السيئة ، بخلاف طائفة أُخرى حيث ترغد بالعيش والرفاه التي هي نتيجة أعمالها الحسنة.
وثمة نكتة جديرة بالذكر وهي أنّ أكثر من يروّج تلك الفكرة هم أصحاب السلطة والنفوذ الذين يمتلكون المال والجاه الواسع ، يروّجون التناسخ ليبرّروا به الأعمال الجائرة التي يقترفونها والأوضاع السيئة التي يعاني منها الفقراء والمساكين. فنعيماً على الطائفة الأُولى وبؤساً على الطائفة الثانية ، جزاءاً بما كانوا يعملون في الحياة الأُولى ، هذا هو منطقهم الواهي.
فلو قيل بأنّ الدين أفيون الشعوب ، فإنّما يصحّ في حقّ هذا النوع من الدين الذي يبرر به اعمال تلك الطغمة الغاشمة.
والعجب انّ هذه الفكرة تسرّبت إلى أُمّة تعيش بين غنىٰ مفرط وفقر مدقع كالهنود ، فأضحت تلك الفكرة ونشرها بين الضعفاء عائقاً يمنعهم عن أيّ ثورة عارمة ضد الظلم والعدوان بزعم أنّ الثائرين أحقّ بالوضع الموجود ، كما أنّ أصحاب السلطة أحقّ بما هم عليه.
وعلى أيّة حال فلنتناول الموضوع بالبحث من منظار القواعد الفلسفية العقلية.