في الحكمة العلمية والعملية بمكان لا تعود حينها النفس إلى هذه النشأة بعد خروجها من البدن بل تلتحق بعالم المجرّدات والمفارقات ، ولا مسوِّغ لرجوعها إلى الدنيا لبلوغها الكمال المطلوب.
وثمّة صنف آخر لم يكتسب من الكمال العلمي والعملي إلاّ شيئاً يسيراً ، ولذا استدعت الحاجة إلى عود النفس إلى النشأة الأُولىٰ بغية بلوغها الكمال المطلوب ، وذلك من خلال الانتقال بين الأبدان.
وهذا القسم من التناسخ ينقطع ببلوغ النفس المرتبة الكاملة من العلم والعمل بعودها إلى الدنيا مرّة بعد أُخرى.
والفرق بين القسم الأول وهذا القسم من التناسخ من وجهين :
الأوّل : هو عمومية الأوّل وشموليته لكافة الأفراد ، بخلاف الثاني فانّه يختص بغير الكمَّلين في العلم والعمل.
الثاني : استمرار التناسخ عبْر الزمان دون أن يقف إلىٰ حدّ معيّن في الأوّل ، دون الثاني ، الذي ربّما ينتهي ببلوغ النفس المستنسخة الكمالَ المطلوب في العلم والعمل.
يقول شارح حكمة الإشراق : وأمّا الحكماء الأوائل كهرمس وانباذقلس وفيثاغورس وسقراط وإفلاطون وغيرهم من حكماء يونان ومصر وفارس والهند والصين ، وهم القائلون بتجرّد النفوس الكاملة بعد المفارقة البدنية ، إلى العالم العقلي المذكور ، وأمّا الناقصون فانّهم لا يتجرّدون بالكلية بل تتناسخ أرواحهم في أبدان الحيوانات الصامتة بحسب الهيئات الرديئة التي لهم ومناسبة أخلاقهم لأخلاق الحيوانات المنتقلة إليها. (١)
__________________
١. شرح حكمة الإشراق : ٥١٩.