وقطعها ، وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « إنّ أمامكم عقبة كؤوداً ، ومنازل مهولة لابدّ من الممرّ بها ، والوقوف عليها ، فإمّا برحمة الله نجوتم ، وإمّا بهلكه ليس بعدها انجبار ». أراد عليهالسلام بالعقبة تخلّص الإنسان من العقبات التي عليها ، وليس كما ظنه الحشوية من أنّ في الآخرة جبالاً وعقبات يحتاج الإنسان إلى قطعها ماشياً وراكباً ، وذلك لا معنى له فيما توجبه الحكمة من الجزاء ، ولا وجه لخلق عقبات تسمّى بالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها من الفرائض يلزم الإنسان أن يصعدها ، فإن كان مقصراً في طاعة الله ، حال ذلك بينه وبين صعودها ، إذ كان الغرض في القيامة المواقفة على الأعمال والجزاء عليها بالثواب والعقاب ، وذلك غير مفتقر إلى تسمية عقبات ، وخلق جبال وتكليف قطع ذلك وتصعيبه أو تسهيله ، مع أنّه لم يرد خبر صحيح بذلك على التفصيل فيعتمد عليه وتخرج له الوجوه ، وإذا لم يثبت بذلك خبر كان الأمر فيه ما ذكرناه. (١)
ويدل على صحة ما ذكره المفيد هو انّه سبحانه أسمى بعض الفرائض بالعقبات ، فقد سمّى فك الرقبة أو الإطعام في يوم المسغبة عقبة ، فقال سبحانه : ( فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ). (٢)
فقد شبّه القيام بالفرائض بمن يقطع العقبات في الصعوبة والمشقة من دون أن تكون هناك جبال ومنعرجات ، فمن استقبل الفرائض برحابة صدر فقد قطع العقبات بسرعة وأمّا من لم يستقبلها أبداً أو استقبل بعضها دون بعض فهو مثل من يقطع العقبات بشق الأنفس.
والذي يدل على ما ذكرنا قوله سبحانه بعد تلك الآية : ( ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ
__________________
١. بحار الأنوار : ٧ / ١٢٩.
٢. البلد : ١١ ـ ١٦.