فرق بين المتقين والفجار ، قال سبحانه : ( وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ). (١)
والضمير في قوله : ( وَارِدُهَا ) يرجع إلى جهنم التي ذكرت قبل هذه الآية ، قال سبحانه : ( فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ) (٢) إلى أن قال : ( وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ).
وعلى ضوء هذا فالناس قاطبة يردون جهنم ، فهل المراد من الورود هو الاقتراب والإشراف ، أو المراد هو الدخول والاقتحام ؟ وجهان.
يشهد على الوجه الأوّل انّ القرآن يستعمل الورود بمعنى الإشراف والاقتراب ، يقول سبحانه : ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ ). (٣)
ومن الواضح انّ موسى لم يطأ الماء بقدميه وإنّما اقترب منه ، بشهادة انّه سبحانه يردفه بقوله : ( وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ). (٤)
ولا شكّ انّ الناس لا سيما المرأتين لم يدخلوا المشرعة بل أشرفوا عليها.
ونظيره قوله سبحانه في قصة يوسف : ( وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَىٰ هَٰذَا غُلامٌ ). (٥)
والمراد من الوارد هو الساقي الذي يدخل الدلو في البئر لإخراج الماء ، وعلىٰ ضوء هذا ، فالمراد من قوله سبحانه : ( وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ) هو انّ أهل الجنة
__________________
١. مريم : ٧١ ـ ٧٢.
٢. مريم : ٦٨.
٣. القصص : ٢٣.
٤. القصص : ٢٣.
٥. يوسف : ١٩.