الأوّل : انّه يستحق الثواب بإيمانه ، لقوله تعالى : ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ) والإيمان أعظم أفعال الخير ، فإذا استحق العقاب بالمعصية ، فإمّا أن يقدم الثواب على العقاب وهو باطل بالإجماع ، لأنّ الثواب المستحق بالإيمان دائم على ما تقدم ، أو بالعكس وهو المراد ، والجمع محال.
الثاني : يلزم أن يكون من عبد الله تعالى مدة عمره بأنواع القربات إليه ثمّ عصى في آخر عمره معصية واحدة مع بقاء إيمانه ، مخلداً في النار كمن أشرك بالله تعالىٰ مدة عمره ، وذلك محال لقبحه عند العقلاء. (١)
وذكر التفتازاني وجوهاً أُخرى نذكر منها ما يلي :
الثالث : انّ من واظب على الإيمان والعمل الصالح مائة سنة وصدر عنه في أثناء ذلك أو بعده جريمة واحدة كشرب جرعة من الخمر فلا يحسن من الحكيم أن يعذبه على ذلك أبد الآباد ولولم يكن هذا ظلماً فلا ظلم ، أو لم يستحق بهذا ذماً فلا ذم. (٢)
وحاصل هذه الأدلة : انّ النظر إلى المؤمن المقترف للكبيرة والكافر المشرك علىٰ حد سواء يخالف العدالة ، بل يجب أن يكون هناك فرق بينهما ، إمّا في مدّة العذاب ، أو في كيفيته ، فجعلهما على حد سواء يرده العقل السليم ، يقول سبحانه : ( أَفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ). (٣)
نعم غاية ما تُثبت بعض الأدلة العقلية وجود الفروق بين المؤمن والكافر ، أمّا في الكمية كما هو المطلوب ، أو في الكيفية وهذا المقدار يكفي في رفع الظلم.
نعم مقتضى الدليل العقلي الأوّل هو وجود الفرق من حيث الكمية ،
__________________
١. كشف المراد : ٢٧٦.
٢. شرح المقاصد : ٢ / ٢٢٩.
٣. القلم : ٣٥ ـ ٣٦.