ويؤيد ذلك انّه سبحانه يصف الآخرة بأنّها يوم تبلى السرائر ، ويقول : ( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ). (١) فكأنّ الحقيقة اختفت تحت اللثام فأضحت سراً مستوراً وفي ذلك اليوم تزول كافة الحُجُب وتظهر الحقيقة في أنصع صورها.
٤. ( يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ). (٢)
وظاهر الآية انّ نور المؤمنين يسعى أمامهم في ذلك الطريق المظلم ، وليس للنور مبدأ سوى وجودهم الذي يشع نوراً ويضيء الطريق كما تضيء مصابيح الحافلة ، الطريقَ لسائقها فيسير على ضوئها.
ولأجل انّه لم يكن لنور المؤمنين الساطع مبدأ سوى وجودهم ، يسألهم المنافقون عن النظر إليهم بغية الانتفاع من نورهم كما يحكي عنهم سبحانه بقوله : ( يَوْمَ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ ). (٣)
ولما كان النور هو تجسيد للعمل الصالح الذي اكتسبه المؤمن والمؤمنة في النشأة الأُولى يجابون بقولهم : ( قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا ) (٤) معرباً عن أنّ هذا النور هو ظهور لما قاموا به من الأعمال الصالحة ، فمن لم يغتنم الدنيا في إقامة الأعمال الصالحة فهو محروم من هذا النور.
وليس أمرهم بالرجوع إلى الدنيا والتماس النور إلاّ أمراً تعجيزياً ، كقوله سبحانه : ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ). (٥)
__________________
١. الطارق : ٩.
٢. الحديد : ١٢.
٣. الحديد : ١٣.
٤. الحديد : ١٣.
٥. البقرة : ٢٣.