وهذه الآية وإن لم تكن صريحة في بيان الشبهة ، لكن يوضّحها ما أجاب به سبحانه عنها ، بقوله :
( بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ ) وقد مرّ بيانه.
( قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ المَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ). (١)
ولا يقف الإنسان علىٰ حقيقة الجواب إلاّ بإمعان النظر في قوله : ( يَتَوَفَّاكُم ) ، فليس المراد من التوفّي هو الموت كما هو الدارج على الألسن ، بل المراد منه هو الأخذ ، وقد فسره به ابن منظور في لسان العرب. (٢)
ويفسره أمين الإسلام الطبرسي ، بقوله : أي يقبض أرواحكم جميعاً. (٣)
وعلى ذلك فالقرآن يرد على الشبهة بأنّ حقيقة الإنسان عبارة عمّا يأخذه ملك الموت الذي وكّل بأخذه بأجمعه وهو شيء لا يضلَّ في الأرض ، وأمّا الضالّ في الأرض كالعظام البالية والأجزاء المتلاشية فهي طارئة على الإنسان.
فإذا كانت حقيقة الإنسان محفوظة عند الربّ بأجمعها ، فالإتيان به يوم الحشر إتيان لنفس الإنسان الذي عاش في الحياة الدنيا.
وإن شئت قلت : الإنسان مؤلف من بدن وروح ، فالبدن قشر والروح هو الأصل ، والحافظ للوحدة بين البدنين هو الروح ، فإذا كانت الروح باقية في كلتا النشأتين فلا تضرُّ بشخصيته ، فيصدق على المحيا في النشأة الأُخرى ، انّه نفس الإنسان الذي عاش في نشأة الدنيا.
ونلفت نظر القارئ الكريم إلى أنّ الآية ليست ناظرة إلىٰ بيان أنّ المعاد
__________________
١. السجدة : ١١.
٢. لسان العرب : ١٥ ، مادة وفى.
٣. مجمع البيان : ٤ / ٣٢٨.