وصراحة الآية غير قابلة للإنكار حيث تعدّهم أحياء أوّلاً ، وتحكم عليهم بالرزق وتثبت لهم آثاراً نفسية كالفرح والاستبشار وعدم الخوف والحزن.
ونظيره قوله سبحانه : ( وَلا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لا تَشْعُرُونَ ). (١)
وربما يتراءى من بعض الذين أخلدوا إلى المادة ، تفسير حياة الشهداء بخلود ذكراهم في المجتمع والأندية والمحافل ، ولكنّه تفسير بعيد عن الصواب ، إذ لو كان المراد هو هذا فما معنى قوله سبحانه : ( يُرْزَقُونَ ) ، ( فَرِحِينَ ) ، ( يَسْتَبْشِرُونَ ) ، بل وما معنى قوله : ( وَلَٰكِن لا تَشْعُرُونَ ) فانّ الحياة بالمعنى الذي ذُكر أمر يشعر بها كلّ الناس ؟!
٣. ( وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ). (٢)
نرى أنّه سبحانه يحكم علىٰ آل فرعون بأنّهم يعرضون على النار كلّ يوم وليلة قبل يوم القيامة ولكنّهم يدخلون في النار حين تقوم الساعة ، فلو كان الموت بطلاناً للشخصية فما معنى عرضهم على النار صباحاً ومساءً ؟
٤. ( مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللهِ أَنصَارًا ). (٣)
فالآية تحكي عن أنّ قوم نوح عليهالسلام بعدما غرقوا أُدخلوا النار بلا تراخ ، فلو كان المراد من دخول النار هو نار القيامة لا يصح التعبير عنه بالفاء ، في قوله : ( فَأُدْخِلُوا ناراً ) الحاكية عن الاتصال ، وعلى ذلك فالمراد من النار هي النار
__________________
١. البقرة : ١٥٤.
٢. غافر : ٤٥ ـ ٤٦.
٣. نوح : ٢٥.