وبذلك اطمئنّ قلب إبراهيم واذعن بأنّه سبحانه له القدرة علىٰ إعادة أجزاء بدن الميت وإن اختلطت أجزاؤه بأجزاء ميت آخر. وانّ اختلاط أجزاء الموتىٰ أو ضلالتها في الأرض لا يمنع من الإعادة ، قال سبحانه : ( قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ). (١)
ومن غريب التفسير ما ذكره صاحب المنار حيث قال في معنى الآية ما حاصله : خذ أربعة من الطير فضُمَّها إليك ، وآنسها بك ، حتى تأنس وتصير بحيث تجيب دعوتك ، فإنّ الطيور من أشدّ الحيوانات استعداداً لذلك ، ثمّ اجعل كلّ واحد منها على جبل ثمّ ادعها ، فانّها تسرع إليك من غير أن يمنعها تفرق أمكنتها وبعدها ، كذلك أمر ربّك إذا أراد إحياء الموتى ، يدعوهم بكلمة التكوين : « كونوا أحياء » فيكونوا أحياء كما كان شأنه في بدء الخلقة ، إذ قال للسماوات والأرض : ( ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ). (٢)
قال : والدليل على ذلك من الآية ، قوله تعالى : ( فَصُرْهُنَّ ) فانّ معنى « أملهنّ » أي أوجد ميلاً بها ، وآنسها بك ، ويشهد به تعديته بإلىٰ ، فإنّ صار إذا تعدىٰ بإلىٰ كان بمعنى الأمالة. (٣)
ما ذكره من التفسير بعيد عن الصواب لوجوه :
الوجه الأوّل : انّ إبراهيم كان بصدد الوصول إلىٰ معرفة تامة بحقيقة إحياء الموتى ، وطلب من الله سبحانه أن يرى الإحياء بأُم عينه ويشاهده عن كثب ، فلم يكن تشبيه الإحياء والتمثيل له يجدي نفعاً ، كأن يشبه دعوة إبراهيم الطيور ومجيئهن إليه ، بدعوة الله سبحانه الموتىٰ ومجيئهم إليه.
__________________
١. ق : ٤.
٢. فصلت : ١١.
٣. تفسير المنار : ٣ / ٥٥ ـ ٥٨ ، وذكر وجوهاً في دعم هذه النظرية التي نقلها عن أبي مسلم وقد استحسنها في آخر كلامه ، وقال : « ولله در أبي مسلم ما أدقّ فهمه وأشدَّ استقلاله فيه ».