يُحْيِي هَٰذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ). (١)
والإمعان في قوله سبحانه : ( فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ) يفيد أنّه أماته سبحانه ، ثمّ أحياه بعد تلك المدة.
كما أنّ الإمعان في قوله : ( وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ ) سواء أُريد منه عظام حماره أو غيره ، يفيد انّه سبحانه كساها لحماً ثمّ أحياه ، فكان هناك إحياء لميتين.
والعجب انّ الذي يتطرق إليه الفساد بسرعة كالطعام والشراب لم يتغير طيلة هذه المدة ولكن ما لا يتطرق إليه الفساد إلاّ بعد مدّة طويلة فقد تفرقت أجزاؤه وتلاشت أعضاؤه ، وبذلك ازداد إيمان الرجل الصالح بالبعث والحشر.
بيد انّ صاحب المنار سلك في تفسير الآية نفس التفسير السابق فحمل الموت على السُّبات وهو النوم المستغرق الذي سمّاه الله سبحانه وفاة ، واستعان في تقريب مراده بأنّه قد ثبت في هذا الزمان انّ من الناس من تحفظ حياته زمناً طويلاً يكون فيه فاقد الحس والشعور ، فلبث الرجل الذي ضرب علىٰ سمعه مائة سنة غير محال في نظر العقل. (٢)
والتفسير بعيد عن الصواب ، وذلك لأنّ تفسير الموت بالسبات بحاجة إلىٰ دليل ، والمتبادر من الإماتة هي الإماتة الحقيقية ، وقياس المقام بأصحاب الكهف قياس مع الفارق ، لأنّ المتبادر من الآيات هناك هو السبات والنوم ، يقول سبحانه : ( فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ). (٣)
__________________
١. البقرة : ٢٥٩. |
٢. تفسير المنار : ٣ / ٥٠. |
٣. الكهف : ١١.