الجرم متولداً من الهواء والأدخنة ويكون مقارناً لمزاج الجوهر المسمّىٰ روحاً الذي لا يشك الطبيعيون أنّ تعلّق النفس به لا بالبدن. وانّه لو جاز أن لا يتحلل ذلك الروح مفارقاً للبدن والاخلاط ويقوم ، لكانت النفس تلازمه الملازمة النفسانية. (١)
ثمّ إنّ الشيخ الرئيس استحسنه وقال في حقّه : ويشبه أيضاً أن يكون ما قاله بعض العلماء حقّاً ، وهو : انّ هذه الأنفس إن كانت زكية وفارقت البدن وقد رسخ فيها نحو من الاعتقاد في العاقبة التي تكون لأمثالهم علىٰ مثل ما يمكن أن يخاطب به العامة وتصور في أنفسهم عن ذلك ، فانّهم إذا فارقوا الأبدان ولم يكن لهم معنى جاذب إلى الجهة التي فوقهم ، لا كمال فيسعدوا تلك السعادة ، ولا شوق كمال فيشقوا تلك الشقاوة ، بل جميع هيئاتهم النفسانية متوجهة نحو الأسفل منجذبة إلى الأجسام ، ولا منع من المواد السماوية عن أن تكون موضوعة لفعل نفس فيها. (٢)
إنّ من عجيب القول تفسير البدن بالبدن الناشئ من الهواء والأدخنة ، مع أنّه يشترط أن يكون بين النفس والبدن نوع انسجام وإمكان تعلّق ، فكيف يجوّز المعلم الثاني تعلّق النفس بهذا النوع من البدن ؟
وقد نقده صدر المتألّهين بقوله : إنّ القول بتجويز أن يكون موضوع تصور النفس وتخيلها بعد التجرّد عن هذا البدن متولداً من الهواء والدخان ، كيف يصحّ من رجل ذي بضاعة من الفلسفة الطبيعية ، فكيف من الفلسفة الإلهية ، أليس مثل هذا الجسم الدخاني المتولّد من بعض المواد العنصرية ، يتفرق ويتحلل بأدنى سبب إذا لم يكن له طبيعة حافظة إياه عن التبدد وعن التحلل شيئاً فشيئاً بإيراد
__________________
١. الأسفار : ٩ / ١٤٨ ـ ١٤٩.
٢. الإلهيات من الشفاء : ٤٧٢ ـ ٤٧٣ ، المقالة التاسعة ، الفصل الثامن ، منشورات مكتب الاعلام الإسلامي.