توضيح النظريتين : انّ الإشراقيين قالوا بوجود بدن مثالي للإنسان في عالم المثال ، كما أنّ له بدناً طبيعياً مادياً في هذه النشأة ، والنفس بعد مفارقتها البدن الدنيوي تتعلّق ببدن مثالي مستقل نشأ من ذي قبل.
ثمّ إنّ الدافع من وراء طرح هذه النظرية تصوّر أنّ تعلّق النفس بالبدن الدنيوي يعد تناسخاً وهو أمر باطل لا محالة ، مضافاً إلىٰ أنّ النفس إنّما تلتذ أو تتألم بالصور الحسية ، والنفس في إدراكها للصور الحسية بحاجة إلىٰ بدن ، فمسّت الحاجة إلىٰ تصوير بدن للنفس حتى يتحقق به إدراك الصور الحسية جميلها وقبيحها ، لذيذها ومؤلمها.
إلاّ أنّ هذه النظرية لا تصمد أمام النقاش.
أمّا أوّلاً : إذا كان البدن المثالي مغايراً للبدن الدنيوي ومخلوقاً من ذي قبل ، فكيف ينطبق على هذا النوع من الحشر ، قوله سبحانه : ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) ؟ (١)
وثانياً : أنّ البدن المثالي المخلوق من ذي قبل له استعداد لتعلّق النفس به ، حينها يتهيأ لقبول الفيض الإلهي ، من قبل الله سبحانه ، فتتعلّق النفس بالبدن في ظرفها ، فلو تعلّقت به نفس أُخرى بعد الموت يلزم اجتماع نفسين في بدن واحد ، وهو عين التناسخ.
ولما أثارت هذه النظرية إشكالاً واضحاً عدل عنها صدر المتألّهين وذهب إلى الوحدة بين البدنين المادي والمثالي ، وأنّ التفاوت بينهما بالكمال والنقص وانّ البدن المثالي هو عين البدن المادي لكن بنحو أكمل ، وبذلك استطاع التخلّص من الإشكال الأوّل من لزوم كون المعاد في الآخرة هو البدن الدنيوي.
كما أنّه تخلّص من الإشكال الثاني بأنّ البدن المثالي لم يخلق من ذي قبل بل
__________________
١. يس : ٧٩.